11 شباط , 2025

المقاومة الفلسطينية ...كيف حولت قوة إسرائيل إلى نقاط ضعف؟

في ظل مواجهة مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي، استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تكتب فصولاً جديدة في تاريخ النضال عبر تكتيكات مبتكرة وأسلحةٍ محلية، محققة انتصارات استراتيجياً ونفسياً على أكبر جيش في المنطقة. من خلال عمليات فدائية معقدة، ورسائل عسكرية تُوجه إلى قلب الاحتلال، تمكنت المقاومة الفلسطينية من مقاومة التفوق العسكري الإسرائيلي، فحققت اختراقات غير مسبوقة، ونجحت في فرض معادلات جديدة للمواجهة فكيف استطاعت المقاومة أن ترفع من معنويات الشعب الفلسطيني وأن تكسر هيبة الاحتلال؟

بينما يحكم الحصار على غزة وتستمر الحروب المدمرة في المنطقة، تبرز العديد من الأسئلة حول العوامل التي أدت إلى الفشل العسكري الإسرائيلي في معركة غزة. فخلال 15 شهراً من المواجهات الشديدة، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها الاستراتيجية رغم استخدامها المفرط للقوة المدمرة. وفي قلب هذا الفشل تكمن المقاومة الفلسطينية، خاصةً كتائب القسام التي أظهرت براعة في تنفيذ عمليات نوعية وتكتيك مبتكر حول نقاط القوة في جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى نقاط ضعف.

في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024، كانت التوقعات تشير إلى استقرار عسكري في شمال قطاع غزة، إلا أن ما حدث كان مفاجئاً. ففي بيت حانون، أطلقت كتائب القسام سلسلة من العمليات النوعية التي أدت إلى مقتل 14 جندياً إسرائيلياً في يناير/كانون الثاني 2025 فقط. العملية الاستشهادية التي أسفرت عن مقتل نائب قائد لواء ناحال الإسرائيلي في 11 يناير، وما تبعها من كمائن في الأيام التالية، شكلت سلسلة من النجاحات العسكرية للمقاومة الفلسطينية. على الرغم من تدمير معظم المنطقة، استمرت العمليات العسكرية التي أدت إلى خسائر فادحة في صفوف الاحتلال، ما جعل قادته يعترفون بفشلهم أمام مقاومة غير تقليدية.

منذ بداية الحرب، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصرّح بأهدافه من الحرب، أبرزها القضاء على حركة حماس، واستعادة الأسرى، ومنع أي تهديد مستقبلي يخرج من غزة. لكن هذه الأهداف لم تتحقق على أرض الواقع. فقد اعتمد جيش الاحتلال على أساليب حربية قاسية، منها الهجمات الجوية الكثيفة، ولكنها باءت بالفشل.

رغم استخدام القوة المفرطة في هجماته، وجدت إسرائيل نفسها أمام حرب استنزاف طويلة لم تحقق فيها أي من أهدافها الاستراتيجية. بل إن التقارير العسكرية تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من هزيمة المقاومة الفلسطينية، التي تمكنت من تدمير المعدات العسكرية الأكثر تطوراً، مثل دبابات "ميركافا"، وأثبتت قدرتها على شن هجمات نوعية تستهدف الجنود الإسرائيليين بأساليب مبتكرة.

تعود جذور الفشل الإسرائيلي إلى تحول العقيدة العسكرية للجيش الإسرائيلي على مر العقود. فبعد تجربة الحرب التقليدية ضد الجيوش العربية في الحروب السابقة، تحولت إسرائيل إلى مواجهة "حروب هجينة" مع مقاومات فريدة مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة. وقد أثبتت هذه الحروب أن الأساليب التقليدية التي كانت تعتمد على القوة العسكرية وحدها لا يمكن أن تحقق النصر أمام المقاومة المسلحة في المناطق المزدحمة والمحصورة مثل غزة.

من أكبر العوامل التي أسهمت في فشل إسرائيل كانت العيوب في منظومتها الاستخباراتية. ففي هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية من رصد الهجوم الواسع الذي شنته كتائب القسام، على الرغم من آلاف الإشارات التي كانت تشير إلى إمكانية وقوع الهجوم. كان من الواضح أن محاولات المقاومة للتضليل الاستراتيجي قد أثبتت فعاليتها، حيث فشلت أجهزة الاستخبارات في التمييز بين المعلومات الحقيقية والمضللة.

على الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل الذي تباهت به إسرائيل، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة، إلا أن هذا التقدم لم يكن كافياً لتحقيق النصر في غزة. كان الجيش الإسرائيلي يواجه تحديات كبيرة في تحقيق التنسيق بين قواته البرية والجوية، خصوصاً في مناطق مكتظة سكنياً وذات طبيعة جغرافية معقدة. ورغم استخدامه لأحدث التقنيات في الحروب، لم يكن لديه القدرة على حسم المعركة بشكل قاطع.

إحدى المفاجآت الأخرى في الحرب كانت التأثيرات الاقتصادية على إسرائيل. فقد اضطر جيش الاحتلال إلى استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، مما تسبب في تعطيل قطاعات اقتصادية حيوية داخل إسرائيل. وأشارت التقارير إلى أن آلاف الأعمال التجارية التي كانت مملوكة لجنود الاحتياط قد أغلقت بسبب الحرب، ما شكل ضغوطاً اقتصادية إضافية على الدولة.

تعتبر حرب غزة نموذجاً للفشل العسكري الذي تعرضت له إسرائيل أمام مقاومة غير تقليدية استخدمت كل الإمكانيات المتاحة من أساليب التضليل الاستخباري إلى تنفيذ عمليات نوعية وناجحة على الأرض. كما أن الخلل في العقيدة العسكرية والاستخبارات قد ساهم بشكل كبير في فشل الأهداف الإستراتيجية التي حددها المستوى السياسي الإسرائيلي.

وبدلاً من أن تكون القوة العسكرية الإسرائيلية هي الفاصل في الحرب، استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تحول معادلات القوة لصالحها، بتكتيكاتها الذكية، وإصرارها على المقاومة، وبإيمانها بأن النصر ليس دائماً مرتبطاً بالعتاد، بل بالارادة موثقه الرحلة البطولية، من الهزيمة العسكرية الاسرائيلية إلى الانتصار الإنساني الفلسطيني في معركة فكرية وعسكرية تُكتب بأحرف من نور في تاريخ المقاومة الفلسطينية.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen