سيناريو الرعب الذي يجب منعه وعدم التسامح معه في الشمال
من المهم أن نتذكر أننا ذهبنا إلى الحرب ضد أضعف عدو لنا: حماس. لكن، في مواجهة العدو الأقوى – حزب الله – نقوم بحملة محدودة، يدفع فيها حزب الله ثمنا باهظا من الضحايا، لكنه حقق بالفعل إنجازا استراتيجيا: نجح الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الل من خلال استخدام تهديداته، في إخلاء عشرات الآلاف من سكان خط النزاع الذين خرجوا من منازلهم، وهذا وضع لا يمكن لإسرائيل أن تتعايش معه مع مرور الوقت.
من اعلام العدو:
صحيفة معاريف
سيناريو الرعب الذي يجب منعه وعدم التسامح معه في الشمال
بقلم: ألون بن دافيد
من المهم أن نتذكر أننا ذهبنا إلى الحرب ضد أضعف عدو لنا: حماس. لكن، في مواجهة العدو الأقوى – حزب الله – نقوم بحملة محدودة، يدفع فيها حزب الله ثمنا باهظا من الضحايا، لكنه حقق بالفعل إنجازا استراتيجيا: نجح الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الل من خلال استخدام تهديداته، في إخلاء عشرات الآلاف من سكان خط النزاع الذين خرجوا من منازلهم، وهذا وضع لا يمكن لإسرائيل أن تتعايش معه مع مرور الوقت.
على الرغم من الجهود المتواصلة التي يبذلها حزب الله، فإن معظم هجماته تنتهي دون وقوع إصابات. وخلال حوالي خمسة أسابيع، تمكن حزب الله للأسف من قتل عشرة إسرائيليين وتكبد ما يقرب من مائة إصابة بين رجاله. لكن من الصعب أن نتشجع بهذا الرقم عندما نرى كريات شمونا خالية من الناس والمستوطنات على طول خط الصراع التي هجرها سكانها. ففي سلسلة من الإجراءات والتهديدات المحدودة، تمكن حسن نصر الله من إنشاء "منطقة أمنية" جديدة على الحدود الشمالية، وهذه المرة على الجانب الإسرائيلي، حيث نجح في تفريغ الجليل الشمالي من سكانه، وهذا واقع لا يطاق من وجهة النظر الإسرائيلية.
لقد تم الكشف بالفعل أنه بعد أربعة أيام من مذبحة 7 أكتوبر، فكرت إسرائيل بتوجيه ضربة استباقية لحزب الله. ويعتقد وزير الجرب يوآف غالانت ومعظم كبار ضباط الجيش الإسرائيلي أننا نواجه فرصة عملياتية لا تتكرر لإلحاق أضرار جسيمة بعدونا القوي من الشمال، وبعد ذلك يمكننا بسهولة أن نتجه لتدمير العدو الأضعف من الجنوب. لكن رئيس الحكومة اعترض على هذه الخطة. وكان لدى كلا الجانبين، مؤيدي الضربة الوقائية والمعارضين، أسباب وجيهة. ولكن بعد ذلك جاء الرئيس الأمريكي وحل معضلتنا بوضع يده على أكتافنا قائلا: لا تفعلوا. وقال بايدن: سأعتني بحمايتكم من إيران وحزب الله، وانتم تعالجون الوضع مع حماس.
تبنت إسرائيل التوصية، وقررت التركيز على غزة أولا. وتم إرسال فرقتين نظاميتين إلى غزة، كما أرسلت فرق الاحتياط إلى الشمال للقيام بمهمة دفاعية، وبقيت قوة كبيرة أخرى من الجيش الإسرائيلي في الاحتياط. وقد أتى هذا القرار بثماره على المستوى العملاني: فرق المناورة في الجيش تتقدم تجاه غزة، والدفاع في الشمال قوي وفعّال حتى الآن.
لكن هذا القرار ترك مصير الشمال في يد نصر الله. وتعتقد الاستخبارات وفق المعلومات المتواضعة المتوفرة لديها، أن نصر الله غير معني بحملة شاملة، بل بإرهاقنا على طول الحدود، بحيث يشتبك مع قواتنا بهدف تحويل الانتباه عن الجنوب. لكن قرار الاكتفاء بالدفاع في الشمال ترك لنصر الله المبادرة في الحملة المتطورة هناك: حين يريد يرفع مستوى النيران، وإن شاء خفضها. وبعد أن هجر سكان الشمال منازلهم، قرر نصر الله أن كل ما يتحرك على طول خط النزاع هو هدف عسكري.
ردت إسرائيل وضربت أفراد حزب الله وأصول المنظمة، لكن هذا ليس كافيا، ويجب الحديث مع نصر الله بنفس اللغة: مقابل إخلاء سكان الشمال ضمن نطاق 0-5 كلم من الحدود، يجب إخلاء جميع المقيمين اللبنانيين ضمن هذا النطاق والإعلان بأن من يبقون في هذه المنطقة سيعتبرون هدفا عسكريا.
صحيح ان هذا قد يقود إلى ديناميكية التصعيد، لكن شعب لبنان لا يستطيع أن يتمتع بالحصانة بينما أصبح عشرات الآلاف من الإسرائيليين لاجئين. فاليوم، تفحص إسرائيل كل هدف يتعرض للاعتداء في لبنان، حتى لا تتحول المناوشات إلى حملة، لكن المعضلة يجب أن تنتقل إلى الجانب الآخر أيضا. فإذا كان نصر الله قد وضع شمال إسرائيل "على قدم ونصف"، كما يحب أن يقول، فمن المناسب أن يبدأ هو أيضا بالوقوف على قدم ونصف.
منذ بداية الحملة، أبقى سلاح الجو 50% من قوته على الأرض مع أسلحة مناسبة للقتال في الشمال. وفي أي لحظة، تستعد هذه القوة لشن سلسلة من الضربات على كتائب الرضوان التابعة لحزب الله، وعلى مراكز ثقلها في بيروت، وعلى البنية التحتية في لبنان. ومن الواضح أنه إذا تم جرنا إلى المعركة في الشمال عندما تتواجد ثلاث فرق في غزة، فلن يكون من الممكن القيام بمناورة برية كبيرة داخل لبنان.
سلاح الجو الاسرائيلي لا يستطيع هزيمة حزب الله أو تدميره، لكنه قادر على إلحاق أضرار كبيرة به على مدى سنوات، وإلحاق الخراب بالدولة اللبنانية. وإذا كان لدى سلاح الجو في حرب لبنان الثانية بضع مئات من الأهداف في لبنان، فإن هذا العدد اليوم أكبر بمائة مرة، كما أن القدرات الهجومية لسلاح الجو زادت بأضعاف مضاعفة. وهناك في إسرائيل من يتمنون أن يؤدي الدمار الذي نحدثه في غزة إلى ردع حزب الله أيضا. لكن من الواضح أن الدمار في غزة لن يكون كافيا لإقناع سكان الشمال بالعودة إلى منازلهم.
من الصعب رسم أي تحرك سياسي يمكن أن يضمن أمن سكان الشمال، لذلك سيتعين على إسرائيل في مرحلة ما أن تأخذ زمام المبادرة تجاه لبنان وتغيير الواقع. وهذا قد يحدث عندما تكتمل الخطوة الرئيسية في غزة، وربما حتى في منتصفها. لكن، لن يتمكن سكان كريات شمونا من البقاء لاجئين لعدة أشهر أخرى.
ستكون الحملة في الشمال مؤلمة جدا للعمق الإسرائيلي، ولا أحد يريد ذلك. لكن في الواقع الحالي ليس أمام إسرائيل خيار آخر، وعليها أن تعمل على إزالة التهديد البري الذي يشكله حزب الله. ولهذا السبب سيكون لزاما عليها استخدام القوة. وإذا بادرت إسرائيل إلى هذه الخطوة ولم يتم جرها إليها فإن الإنجاز سيكون أكثر أهمية. ولذلك فإن التحدي يكمن في التخطيط الآن للتوقيت المناسب لبدء الحملة وكيفية إنهائها في وقت قصير، من أجل التقليل قدر الإمكان من الأضرار التي ستلحق بالعمق الإسرائيلي. وهذا يتطلب التنسيق مع الأميركيين والتحضير المسبق لآلية إنهاء الحرب بطريقة تؤدي ألى تجريد جنوب لبنان من السلاح.
إن نزع سلاح حزب الله هو هدف مهم، وهو ليس أكبر من طاقتنا. آلة الحرب الإسرائيلية تثبت نفسها في غزة وتكتسب الثقة بالنفس. ولكن التحدي في الشمال أكثر تعقيدا، وحل حزب الله سوف يتطلب منا الشروع في حملة قد تستمر لأشهر عديدة، وربما أكثر من ذلك، وسوف يكون ثمنها باهظا للغاية. ليس لدينا كل الوقت، بكن لا يمكن إبقاء سكان كريات شمونا لمدة عام آخر في الفنادق بعيدا عن منازلهم. نحن بحاجة إلى الاستعداد عمليا وعقليا لمعركة تسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، وإعادة السيطرة في الجليل إلى أيدي دولة إسرائيل.
ترجمة: غسان محمد