15 كانون الاول , 2024

العدوان الإسرائيلي على سوريا: استراتيجية لتدمير القدرات العسكرية وتفكيك الردع

وسط تصعيد غير مسبوق وتجاهل دولي مريب، صعّد الكيان الصهيوني من عدوانه على سوريا عبر سلسلة غارات مكثفة استهدفت مواقع عسكرية استراتيجية تمتد من دمشق إلى حمص وحماة والجنوب السوري. هذه الهجمات، التي وصفت بالأعنف منذ سنوات، ليست مجرد تصعيد تقليدي، بل خطوة محسوبة تسعى لتقويض ما تبقى من الردع السوري وتفكيك البنية الدفاعية للدولة لتتحول سوريا إلى ساحة مفتوحة يستبيحها الكيان بينما يبقى المشهد غارقًا في تعقيداته السياسية والعسكرية.

تتواصل الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية في تصعيد نوعي ومكثّف يعكس رغبة واضحة في تقويض القدرات الاستراتيجية للجيش السوري ففي غضون ساعات قليلة، نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية سلسلة هجمات عنيفة، مستهدفة مواقع عسكرية حساسة في دمشق وريفها، وحمص، وحماة، والسويداء، ودرعا، في خطوة تحمل رسائل أبعد من مجرد ضربات عسكرية.

استهلت الغارات بقصف مكثّف على مواقع محورية في دمشق، حيث تعرضت جبال القلمون، وهي نقطة استراتيجية تشرف على ريف العاصمة، لضربات متتالية طالت مواقع للحرس الجمهوري والفرقة الرابعة. كما استهدفت منطقة جبل قاسيون، العمود الفقري للدفاعات العسكرية السورية، حيث دُمّرت مستودعات أسلحة وذخائر حساسة، في مؤشر على محاولة شلّ قدرة الجيش السوري على الردع.

في ريف حمص، استهدف العدوان موقع اللواء 81 ومستودعات الفرقة 18 في منطقة الرحيبة، بينما كانت أنفاق القلمون، التي تمثل شرايين لوجستية تحت الجبال، هدفًا لضربات دقيقة استُخدمت فيها أسلحة عالية التدمير.

أما الجنوب السوري، فقد شهد هجمات استهدفت مطار حماة العسكري ومنشآت عسكرية في السويداء ودرعا، شملت مستودعات ذخيرة وصواريخ باليستية، في محاولة إسرائيلية واضحة لتوسيع رقعة استنزاف الجيش السوري.

وفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن العدوان الأخير يُعد جزءًا من سلسلة عمليات تُنفَّذ ضمن خطة استراتيجية طويلة الأمد وخلال الساعات الماضية فقط، شنت المقاتلات الإسرائيلية أكثر من 64 غارة استهدفت مواقع عسكرية وقيادية، فيما يُعد امتدادًا لعمليات واسعة شهدها الشهر الجاري، حيث أُسقطت 1800 قنبلة على ما يزيد عن 500 هدف.

وأشارت تقديرات جيش الاحتلال إلى أن الضربات الأخيرة دمرت ما بين 70% إلى 80% من القدرات العسكرية للجيش السوري. هذا التصعيد، الذي يوصف بالأشد منذ سنوات، يمثل تحولًا خطيرًا نحو تدمير بنية الدفاع السورية وفرض سيطرة جوية مطلقة لـ"إسرائيل" على الأجواء السورية.

هذا واستهدف العدوان مواقع سيادية تُعد ركائز الدفاع السوري ففي منطقة برزة بريف دمشق، دمرت الغارات الإسرائيلية معهدًا علميًا ومصنعًا لتصنيع المعادن تابعًا للبحوث العلمية، كما دُمّرت مستودعات صواريخ سكود الباليستية وراجمات متطورة قرب القسطل.

يبدو أن الاحتلال يسعى لإخماد أي تطور استراتيجي لسوريا عبر قصف مواقع الحرب الإلكترونية والاتصالات العسكرية، حيث تم تدمير أكثر من 20 موقعًا متخصصًا بهذا المجال خلال الأيام الماضية، في خطوة تُضعف قدرة الجيش السوري على المواجهة وإدارة عملياته الدفاعية.

يُظهر التصعيد الإسرائيلي محاولة لتحويل سوريا إلى ساحة مفتوحة تخدم مصالح الاحتلال في المنطقة. وفق الإعلام العبري، فإن تدمير الدفاعات الجوية السورية يعني أن المجال الجوي السوري بات متاحًا للطائرات الإسرائيلية بحرية، وزيارة رئيس أركان جيش الاحتلال، هيرتسي هاليفي، للقوات الإسرائيلية المتمركزة في الجولان السوري المحتل تؤكد أن هذه العمليات جزء من استراتيجية ترسخ الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، مع استغلال الظروف السياسية والأمنية المعقدة التي تمر بها سوريا.

رغم شراسة العدوان، لم يتجاوز الرد الرسمي السوري حدود الإدانة، حيث دعت الحكومة الانتقالية السورية مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإجبار "إسرائيل" على وقف الهجمات والانسحاب من المناطق التي توغلت فيها. هذه الدعوة تُبرز ضعف الموقف الدولي أمام الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.

في ظل هذا التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق، تبدو سوريا أمام تحدٍّ وجودي يستهدف عمقها الاستراتيجي ودورها الإقليمي. الصمت الدولي حيال هذه الانتهاكات يُغري الاحتلال بالمضي قدمًا في استراتيجيته التدميرية، ما يستدعي وقفة حاسمة على المستويين الإقليمي والدولي، لإنقاذ ما تبقى من قدرات الدولة السورية ومنع تحولها إلى ساحة حرب دائمة.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen