مساعدات تحت الحصار.. مشروع التوزيع الأميركي في غزة يترنّح
في مشهد يُعيد التذكير بتاريخ طويل من محاولة فرض السيطرة بالقوة، يترنّح المشروع الأميركي – الصهيوني لتوزيع المساعدات في غزة، المشروع الذي روّجت له واشنطن وتل أبيب كمبادرة إنسانية، سرعان ما كشف عن وجهه الحقيقي كأداة إذلال وتطويع جماعي، تُنفَّذ بأيدي شركات أميركية وتحت أعين جيش الاحتلال.
تلاشت، في اليوم الثاني، صور النجاح الذي بثه الكيان بفخر في انطلاق المشروع الأميركي - الإسرائيلي لتوزيع المساعدات في غزة، واكتفت وسائل الإعلام العبرية بالإشارة إلى افتتاح نقطة توزيع جديدة في محور موراج بين خانيونس ورفح جنوب القطاع، حيث توافد مئات الفلسطينيين لتسلّم المساعدات، قبل أن تعلن "مؤسسة إغاثة غزة" – المشغَّلة أميركياً – وقف التوزيع بزعم "حالات شغب وعدم التزام"، في رواية تُلقي اللوم على الضحايا، وتتجاهل حجم المعاناة وظروف الإذلال التي فُرضت عليهم.
لكن الصورة كانت أوضح خارج سياق الدعاية، المقرّرة الأممية الخاصة المعنية بالحق في السكن اللائق، بالاكريشنان راجاغوبال، وصفت المشهد على منصة "إكس" بكلمات صادمة: "طريقة التوزيع سادية"، مضيفة أنها "تعجز عن التعبير" عن حجم الانتهاك الذي ارتُكب تحت لافتة العمل الإنساني، واعتبرت ما جرى "جريمة أميركية – إسرائيلية" تنطوي على إذلال وتعذيب وتجويع وتمهيد للتهجير القسري.
هذه الإدانات الحقوقية، لم تكن وحيدة. صحيفة واشنطن بوست كشفت عن استقالة اثنين من كبار مسؤولي مؤسسة "إغاثة غزة"، من بينهم المدير التنفيذي للمشروع، الذي تنحّى في اليوم الأول، في دلالة واضحة على عمق الأزمة الداخلية والانكشاف المبكر للانحرافات في التنفيذ والأهداف.
وفي الوقت الذي تروّج فيه واشنطن لهذا المشروع باعتباره "جسرًا إنسانيًا"، تشير المعطيات الميدانية إلى عكس ذلك تمامًا: هدفه ليس إغاثة السكان، بل التحكم في حركة المساعدات، إذلال الناس بطوابير الجوع، وفرض وقائع أمنية تخدم الاحتلال، تحديدًا عبر قصر التوزيع على مناطق جنوب القطاع الخاضعة للرقابة الإسرائيلية.
غير أن مسار الأحداث بدأ يأخذ منحى مضادًا للمشروع الأميركي. فقد افادت مصادر في مؤسسات دولية أن جيش الاحتلال اضطر، بعد ثلاثة أشهر من المنع، إلى السماح بإعادة إدخال المساعدات إلى كامل قطاع غزة عبر برنامج الأغذية العالمي (WFP)، ضمن آلية سابقة تُسهّل التوزيع داخل الأحياء، من خلال أكثر من 400 نقطة، وتُجنّب السكان عناء قطع مسافات طويلة إلى مناطق بعيدة وخطرة.
هذا التحوّل يؤشر إلى تراجع تدريجي للآلية الأميركية – الإسرائيلية، بعد رفض المنظمات الدولية التعاون معها، ووسط موجة انتقادات دولية اتهمت المشروع باستخدام المساعدات كسلاح سياسي وأداة تجويع ممنهجة.