05 شباط , 2025

غزة بين المفاوضات والمأساة: أزمة إنسانية متصاعدة وتحديات جديدة في ظل المماطلة الإسرائيلية

رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في يناير الفين وخمسة وعشرين، يستمر الوضع الإنساني في التدهور بسبب مماطلة إسرائيل في تنفيذ بنود الاتفاق، خاصة إدخال المساعدات وإعادة الإعمار. بدأت حماس مفاوضات المرحلة الثانية للتعامل مع قضايا الإغاثة والأسرى، بينما يثير اللقاء بين المجرم نتنياهو و ترامب تساؤلات حول تأثير الدعم الأمريكي لإسرائيل في عرقلة الحلول الإنسانية، مما يزيد من تعقيد الوضع في غزة//في ظل هذه الظروف، يواصل الفلسطينيون الصمود في مواجهة التحديات التي تحيط بهم.

منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 19 يناير 2025، ظل الأمل يراود سكان القطاع المنهك بالحرب والجوع والدمار، في أن يكون هذا الاتفاق بوابة لتخفيف معاناتهم المستمرة منذ أشهر. غير أن الواقع كان أقسى من الآمال، حيث لم تلتزم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتعهداتها، مما فاقم الأزمة الإنسانية وأبقى الوضع في غزة على حافة الكارثة.

ورغم مرور أسابيع على الاتفاق، إلا أن المساعدات الإنسانية ما زالت محاصرة عند المعابر، والمنازل المدمرة ما زالت شاهدة على وحشية العدوان، فيما يبحث الأطفال عن مدراسهم التي اختفت تحت الركام، ولا يزال المرضى ينتظرون جرعات العلاج التي لم تصل.

نص الاتفاق على إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا إلى غزة، بينها 300 شاحنة مخصصة للمناطق الشمالية الأكثر تضررًا، إضافة إلى فتح معبر رفح لتسهيل دخول الإمدادات الإنسانية. لكن على أرض الواقع، لم تلتزم إسرائيل سوى بإدخال عدد محدود من الشاحنات، بينما تتكدس المساعدات على الحدود في مصر والأردن، في ظل مماطلة متعمدة من الاحتلال، كما أكدت وكالة الأونروا بأن "أي مساعدات جديدة لم تصل منذ الخميس الماضي".

هذا التعطيل يتزامن مع استمرار النقص الحاد في الغذاء والدواء، حيث حذرت منظمة اليونيسف من أن "الوضع الإنساني في غزة لا يزال خطيرًا، ويجب الاستفادة من وقف إطلاق النار لإدخال الإمدادات الأساسية، خاصة للأطفال".

بحسب حركة حماس، فإن العدوان الإسرائيلي خلّف دمارًا شبه شامل في شمال غزة، حيث سُوِّيت الأحياء السكنية بالأرض، وتم استهداف المستشفيات والمدارس وآبار المياه والبنية التحتية، مما جعل الإغاثة وإعادة الإعمار ضرورة حتمية في أي تسوية سياسية مقبلة.

وبينما يسعى آلاف النازحين للعودة إلى منازلهم، تفاجؤوا بأن لا شيء تبقى من بيوتهم، في ظل انعدام المأوى والخدمات الأساسية، مما يهدد بموجة مجاعة وكارثة صحية وشيكة، خاصة مع دخول فصل الشتاء القارس.

أما على الصعيد التعليمي، فقد كشفت التقارير أن 90 ألف طالب محرومون من إكمال دراستهم منذ 7 أكتوبر 2023، بينما 625 ألف طالب في المرحلتين الابتدائية والثانوية مهددون بخسارة عامهم الدراسي الثاني على التوالي. ورغم الجهود المحدودة التي تبذلها المنظمات غير الحكومية، إلا أن الكارثة التعليمية تتفاقم في ظل استمرار الاحتلال في استهداف البنية التعليمية.

بالتزامن مع هذه الأوضاع الكارثية، أعلنت حماس بدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي يفترض أن تتناول قضايا مصيرية، أبرزها الإغاثة الإنسانية و إعادة الإعمار و إطلاق سراح الأسرى المتبقين لدى الطرفين وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل من القطاع

لكن كما جرى في المرحلة الأولى، لا يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي في وارد تقديم تنازلات حقيقية، إذ تتهم حماس إسرائيل بالمماطلة في تنفيذ التزاماتها، بل ومحاولة فرض شروط جديدة تتجاهل حقوق الفلسطينيين.

وسط هذه التطورات، عُقد اجتماع في البيت الأبيض بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث ناقشا "تطورات وقف إطلاق النار" والقضايا الإقليمية المرتبطة به. إلا أن التسريبات تشير إلى أن اللقاء كان بمثابة فرصة لنتنياهو للتهرب من التزاماته، حيث يسعى لتبرير تعطيله للاتفاق بحجج أمنية واهية، بينما يسوق أمام قواعده في إسرائيل أن "ترامب أجبره على وقف إطلاق النار"، في محاولة لامتصاص غضب اليمين المتطرف الذي يرى في التهدئة هزيمة سياسية.

كما كشفت مصادر دبلوماسية أن ترامب ناقش مع نتنياهو إمكانية إعادة توطين سكان غزة في مصر والأردن ودول أخرى، وهو ما يتماشى مع تصريحات سابقة له، قال فيها إنه "لا بديل أمام سكان غزة إلا مغادرتها"، وهو ما يكشف مخطط التهجير القسري جديد، بغطاء أمريكي كامل

مع استمرار هذه الأوضاع، تتواصل الدعوات من المنظمات الدولية للضغط على الاحتلال من أجل تنفيذ التزاماته بموجب الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية، لكن في ظل الصمت العالمي والتواطؤ الأمريكي، تبدو معاناة سكان غزة وكأنها خارج حسابات القوى الدولية.

وفي المقابل، يؤكد الفلسطينيون أنهم لن يسمحوا بتكرار نكبة جديدة، وأن المقاومة ستبقى قائمة حتى تحقيق التحرر الكامل، في ظل قناعة راسخة بأن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة والصمود.

في غزة، لا تزال الحياة تكافح وسط الدمار، والأمل يقاتل وسط اليأس، والمقاومة تستمر رغم الجراح. تتجدد المآسي، لكن غزة لا تنكسر، ففي كل بيت مهدّم، هناك قصة صمود، وفي كل طفل يبحث عن مدرسته المدمرة، هناك حلم لا يموت، وفي كل أم تبكي على فقدان أبنائها، هناك إرادة لا تُهزم.

ورغم المماطلات والمؤامرات، تبقى الحقيقة واضحة: غزة ليست للبيع، ولن تكون قابلة للتهجير، وأهلها سيبقون صامدين فوق أرضهم حتى آخر رمق.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen