تهدئة بلا ضمانات: واشنطن تضغط وتل أبيب تماطل... وغزة على مفترق هدنة مشروطة
وسط حراك ديبلوماسي مكثّف، يظل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة معلقاً، وبينما تؤكد حركة حماس استعدادها للتجاوب مع أي مبادرة تُنهي العدوان، يواصل الكيان الصهيوني التلاعب بشروط الانسحاب، ويعمل على فرض واقع ميداني جديد، يعيد ترتيب خريطة القطاع بما يخدم أجنداتها الاستيطانية والأمنية.
على طاولة المفاوضات في الدوحة، تتقلص الهوّة بين بعض الأطراف، لكن لا يزال الاتفاق الشامل بعيد المنال. ما يجري حتى الآن لا يتعدى كونه محاولة لتمرير هدنة مؤقتة قائمة على تعهدات شفهية قدمتها واشنطن، من دون ترجمتها إلى التزامات مكتوبة، ما يجعل الاتفاق هشاً وقابلاً للانهيار في أي لحظة.
حركة حماس، من جانبها، أكدت في بيان رسمي أنها تواصل التعاون الإيجابي مع الوسطاء، وتبدي مرونة عالية لإنجاح جولة التفاوض الجارية، على أمل الوصول إلى اتفاق شامل يُنهي العدوان، يضمن تدفق المساعدات الإنسانية ووقفاً دائماً لإطلاق النار. وأعلنت استعدادها للإفراج عن عشرة أسرى من الجنود الإسرائيليين، في بادرة تُظهر انخراطها الجاد في المسار السياسي.
لكنّ التقدّم في المفاوضات يصطدم بتعنّت صهيوني واضح. فتل أبيب، بحسب مصادر مطلعة، تماطل في تقديم خرائط انسحاب واضحة، وتروّج لفكرة المدينة الإنسانية في رفح، التي يُنظر إليها كغطاء لخطة تهجير سكان القطاع من مناطقهم الأصلية.
التقارير العبرية كشفت أن اجتماعاً ثلاثياً جرى في واشنطن، ضمّ مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف، ووزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال رون ديرمر، إلى جانب مسؤولين قطريين، أسفر عن تقدم محدود. إذ رفضت واشنطن والدوحة خرائط الانسحاب الإسرائيلية الأولى، ما دفع تل أبيب إلى تقديم خرائط معدّلة تتضمن انسحابات أوسع، من دون أن تصل إلى حدّ التفاهم النهائي.
التباين بين الموقف الأميركي - القطري، والموقف الإسرائيلي، بدا جلياً في تصريحات متقاطعة. ففيما ضغط الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه المتكرر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ضرورة التوصل إلى اتفاق قريب، تحدثت مصادر إسرائيلية عن "قيود سياسية" تعرقل اتخاذ قرارات حاسمة، في إشارة إلى الضغوط الداخلية من اليمين المتطرف داخل الائتلاف الحكومي.
في المقابل، تؤكد حركة حماس أنها لا تزال تصرّ على ثلاث نقاط رئيسية: انسحاب كامل من القطاع، ضمان تدفق دائم للمساعدات، ووقف إطلاق نار شامل، وهي شروط لم تلقَ حتى الآن موافقة إسرائيلية واضحة.
اللافت أن التركيز الإسرائيلي لا يزال منصبّاً على محور "موراغ"، الذي يفصل جنوب القطاع عن وسطه، وتعتبره إسرائيل شرياناً أمنياً مهماً، بينما تطالب حماس بانسحاب كامل منه، كشرط أساسي في الاتفاق.
وما يعزز هذا الانطباع، أن الحديث عن الهدنة، وفق التصريحات الإسرائيلية، يدور حول "وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 60 يوماً"، مع إمكانية استئناف القتال بعد انتهائها، وهو ما كشفته تصريحات نتنياهو الأخيرة، التي تجنّب فيها الإشارة إلى وقف دائم للحرب، مفضّلاً التلميح إلى "فرصة مؤقتة للتهدئة".
رغم الضغط الأميركي والتقدّم المحدود في الدوحة، لا تزال بنية الاتفاق المقترح هشّة، وعرضة للانهيار في أي لحظة. فالغياب التام لأي ضمانات مكتوبة، وتمسّك إسرائيل ببنود غامضة تخدم أجنداتها الأمنية والاستيطانية، يُبقي المفاوضات في دائرة المراوحة. وبينما تتعامل تل أبيب مع الهدنة كفرصة لإعادة التموضع، تصرّ حماس على ألا يكون أي اتفاق مجرد فاصل زمني في عدوان مستمر.