إصبع في عين الاحتلال... تبادل الأسرى يعيد رسم المعادلة في فلسطين
في مشهد يفيض بالرمزية، ويمتزج فيه النصر بالرسائل السياسية، نظّمت المقاومة الفلسطينية عملية تبادل الأسرى السادسة، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، لتحمل العملية في طيّاتها دلالات تتجاوز الأرقام والأسماء، وتضع الاحتلال الإسرائيلي أمام تحدٍّ جديد يضاف إلى سجلات هزائمه المتكررة، فكيف علّقت الصحافة الإسرائيلية على الدفعة السادسة من تبادل الأسرى؟
من منصّة التسليم في قلب خان يونس، حيث ارتفع صوت الحرية وسط الدمار، رسمت كتائب القسام وسرايا القدس مشهداً مُحكماً، وصفته الصحافة الإسرائيلية بأنه "إصبع في عين إسرائيل". لم يكن الأمر مجرّد استعادة لأسرى، بل كان استعراضاً لواقع فرضته المقاومة، حيث ظهر مقاتلوها حاملين أسلحة غنمها الفلسطينيون من وحدات الاحتلال، ومرتدين بزّات جنوده، في مشهد صادم للمنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تستثمر فيها المقاومة حدثاً كهذا لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، لكنها كانت الأكثر وضوحاً في صياغة معادلة الردع. فما اعتبره الإعلام الإسرائيلي "دعاية" ليس إلا جزءاً من حرب الوعي، حيث تدرك حماس وسرايا القدس أنّ إدارة المعركة إعلامياً لا تقلّ أهمية عن الميدان.
اللافتة التي وُضعت على منصة التسليم لم تكن تفصيلاً عابراً، بل كانت صفعة مباشرة للمخططات الأميركية - الإسرائيلية التي تسعى إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. "لا هجرة إلّا إلى القدس"، رسالة حملت كل معاني التحدي، وقطعت الطريق أمام مشاريع التهجير القسري التي روّج لها الاحتلال وأعوانه، في محاولة يائسة لإفراغ القطاع من سكانه.
الصحافة الإسرائيلية لم تُخفِ صدمتها من الطريقة التي أدارت بها المقاومة الفلسطينية، ممثّلةً بحماس وسرايا القدس، الدفعة السادسة من تبادل الأسرى ضمن اتفاق وقف إطلاق النار. فمن "معاريف" إلى "يديعوت أحرونوت" و"القناة 12" و"والاه"، كان التركيز منصبًّا على الرسائل الإعلامية والسياسية التي حملتها هذه العملية، والتي وصفتها بعض الصحف بأنها "إصبع في عين إسرائيل".
صحيفة معاريف الإسرائيلية رأت أن الدعاية التي قدّمتها المقاومة الفلسطينية في الدفعة السادسة من التبادل كانت "إصبعاً في عين إسرائيل"، معتبرةً أن الطريقة التي أُخرج بها المشهد تُظهر قوة إعلامية واستراتيجية تمتلكها حماس وسرايا القدس.
وأشارت الصحيفة إلى ظهور مقاتلين فلسطينيين يحملون أسلحة إسرائيلية من طراز تافور وMP5، وهي أسلحة تُستخدم من قبل وحدات النخبة في جيش الاحتلال. كما لفتت إلى أن مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي ظهروا مرتدين بزّات عسكرية إسرائيلية، في مشهد غير مسبوق يُشير إلى نجاح المقاومة في اغتنام معدات عسكرية خلال عملياتها.
إضافة إلى ذلك، نوّهت الصحيفة بأن العرض شمل آلية عسكرية إسرائيلية استولى عليها المقاومون خلال عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، إضافة إلى عدد من الأسلحة التي كانت بحوزة قوات الاحتلال.
من جانبها، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن حماس تستغل كل عملية تبادل أسرى في دعايتها الإعلامية، وهذه المرة لم يكن الأمر مختلفًا، حيث وضعت على منصة التسليم لافتة تحمل رسالة سياسية واضحة ضد مخططات التهجير.
وذكرت الصحيفة أن اللافتة كُتب عليها: "لا هجرة إلا إلى القدس"، وهي رسالة مباشرة ترفض مشاريع التهجير القسري التي روجت لها تل أبيب بدعم أميركي.
أما القناة 12 الإسرائيلية، فسلّطت الضوء على التفصيل الإنساني الذي أدرجته المقاومة في عملية التسليم، وهو منحها الأسير الإسرائيلي ساغي ديكل تشين خاتمًا ذهبيًا كهدية لابنته التي وُلدت بعد أربعة أشهر على أسره.
ورأت القناة أن هذه الخطوة جزء من "استراتيجية التأثير النفسي" التي تستخدمها حماس، حيث تُظهر إنسانيتها أمام العالم بينما تضع الاحتلال في موقف حرج.
موقع والاه الإسرائيلي علّق على استخدام المقاومة الفلسطينية لعنصر الزمن في رسائلها، حيث رفعت على منصة التسليم صورة للأسير الإسرائيلي متان تسنجأوكر مع والدته، إلى جانب ساعة رملية وعبارة "الوقت ينفد".
الموقع اعتبر أن هذه الصورة كانت بمثابة "ضغط نفسي" ورسالة واضحة بأن ملف الأسرى لن يُغلق إلا بشروط المقاومة، وأن تل أبيب لا تملك ترف الوقت في هذه المعادلة.
إذاعة الجيش الإسرائيلي ركّزت على البُعد التنظيمي لعملية التبادل، مشيرةً إلى أن التنسيق بين حماس وسرايا القدس كان واضحًا جدًا.
تكشف تغطية الصحافة الإسرائيلية عن حالة من الإرباك داخل الأوساط الإسرائيلية، حيث لم يكن التبادل مجرد تنفيذ لاتفاق، بل كان عرضًا استراتيجيًا يحمل دلالات عميقة:
استعراض القوة العسكرية للمقاومة عبر إظهار مقاتلين ببزّات وأسلحة إسرائيلية.
رفض مشاريع التهجير عبر لافتة "لا هجرة إلا إلى القدس واستخدام الرمزية الزمنية للضغط على الاحتلال عبر عبارة "الوقت ينفد كما وإظهار التنسيق القوي بين حماس وسرايا القدس في إدارة الحدث.
المقاومة الفلسطينية لم تُطلق رصاصة في هذه العملية، لكنها حقّقت انتصارًا في معركة الوعي، ورسّخت مجددًا معادلة أن الأسرى الإسرائيليين ورقة رابحة لن تُغلق إلا وفق شروطها.
ما لفت الإعلام الإسرائيلي أيضاً هو المستوى العالي من التنسيق بين حماس والجهاد الإسلامي في إدارة عملية التبادل، ما يعكس وحدة القرار العسكري والسياسي بين الفصيلين، ويفنّد كل محاولات الاحتلال لزرع الفُرقة بين قوى المقاومة. هذه الوحدة تُثبت مجدداً أن المقاومة الفلسطينية باتت تُدير معركتها بعقلية موحّدة، ترتكز على التفاهم والتكامل في مواجهة الاحتلال.
ما حدث في هذه الدفعة من تبادل الأسرى لم يكن مجرد تنفيذ لاتفاق،ففي كل مرة تظن فيها "إسرائيل" أنها استعادت توازنها، تأتي المقاومة لتُعيدها إلى دوّامة القلق والارتباك. ومع كل أسير فلسطيني يستعيد حريته، يتأكد أن هذا الصراع لن يُحسم بالآلة العسكرية وحدها، بل بإرادة لا تعرف الانكسار، وبشعب يصرّ على الحياة بكرامة فوق أرضه، مهما بلغت التضحيات.