31 كانون الثاني , 2025

غزة تنتصر والمحتل يعترف بالفشل: مشهد تبادل الأسرى يكشف تغير المعادلات

تحولت عملية تبادل الأسرى في غزة إلى مشهد مؤلم للاحتلال الإسرائيلي، حيث أظهرت الحشود الفلسطينية تماسك المقاومة وصمودها رغم العدوان، في تل أبيب، أعرب المسؤولون الإسرائيليون عن غضبهم وقلقهم، معترفين بأن ما جرى هو فشل كامل ، وبينما كانت غزة تحتفل بالنصر، كان الاحتلال في مأزق، يدرك أن معادلات القوة قد تغيرت لصالح المقاومة، وأن "الردع" الذي طالما تباهى به قد تلاشى بالكامل.

لم يكن يوم امس الخميس عادياً في قطاع غزة، فالمشهد الذي تصدّر وسائل الإعلام لم يكن مجرد عملية تبادل أسرى، بل كان رسالة سياسية وعسكرية صادمة للاحتلال الإسرائيلي، الذي وجد نفسه أمام صورة لم يكن يتوقعها: حشود جماهيرية ضخمة، مقاومة متماسكة، وأعلام القوى الإقليمية الداعمة للمقاومة ترفرف بين الجماهير.

سارعت القيادات الإسرائيلية إلى التعليق على هذا المشهد، لكن ما خرجوا به لم يكن انتصاراً أو حتى ادعاءً بالنصر، بل كان أقرب إلى الاعتراف الصريح بالفشل. وزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير لم يجد إلا القول إن "ما جرى هو فشل كامل"، وهو تصريح يكشف عمق الإحباط داخل الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية. أما أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، فرأى في الصور القادمة من غزة سبباً إضافياً لضرورة "الانفصال التام عن القطاع"، في إشارة إلى الرغبة في إنهاء أي ارتباط أو مسؤولية تجاه غزة، وكأن الاحتلال لا يزال يعتقد أنه قادر على رسم معادلات المنطقة بإرادته المنفردة.

حتى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المعروف بتشدده، أبدى قلقه الواضح من "الثمن الذي تدفعه إسرائيل"، في إشارة إلى مخاوف داخلية متزايدة بشأن تأثير هذه التفاهمات على مستقبل حكومة بنيامين نتنياهو وعلى "هيبة" الردع الإسرائيلي التي تتآكل يوماً بعد يوم.

لم يكن مشهد التبادل مجرد لحظة إعلامية، بل كان استعراضاً مدروساً بعناية من قبل فصائل المقاومة، وعلى رأسها كتائب القسام وسرايا القدس. فقد تعمدت المقاومة تنفيذ عمليات الإفراج في أماكن مختلفة داخل قطاع غزة، لإيصال رسالة واضحة مفادها أن كل مناطق القطاع – بما في ذلك تلك التي استهدفها الاحتلال ودمرها – لا تزال صامدة وفاعلة.

وفي خان يونس، التي شهدت واحدة من أعنف المعارك، لم يكن اختيار المكان عشوائياً، فقد تم تسليم الأسرى بالقرب من منزل القائد الشهيد يحيى السنوار، وكأن المقاومة تؤكد أن القادة يُستشهدون، لكن منهجهم يبقى حياً ومتجذراً. كما حملت الجماهير صور السيد حسن نصر الله والسيد القائد عبد الملك الحوثي، ما يعكس الامتداد الإقليمي لفكر المقاومة، ورسالة واضحة بأن المعركة ليست محصورة بغزة وحدها، بل هي جزء من صراع أكبر يمتد إلى الساحات الإقليمية كافة.

منذ السابع من أكتوبر 2023، سعت "إسرائيل" إلى فرض معادلة عسكرية جديدة على غزة، معتقدة أن حملتها ستكون "حاسمة" وسريعة. لكن بعد أكثر من 15 شهراً من العدوان الوحشي، يتضح أن الاحتلال لم ينجح في تحقيق أي من أهدافه الكبرى، لا على مستوى إنهاء المقاومة، ولا حتى في تحقيق "نصر إعلامي" يرضي جمهوره الداخلي.

اليوم، ومع كل صورة جديدة تخرج من غزة، يجد الاحتلال نفسه في مواجهة حقيقة مريرة: فالمقاومة لم تنهزم، بل ازدادت تماسكاً، والمجتمع الفلسطيني لم ينكسر رغم المجازر، بل يزداد وعياً بقضيته وتمسكاً بخيار المقاومة. وما تصريح بن غفير عن "الفشل الكامل" إلا انعكاس لحالة من الإحباط العام في الداخل الإسرائيلي، حيث يدرك صناع لقرار أن المشهد في غزة ليس مجرد لقطة عابرة، بل هو عنوان لمرحلة جديدة من المواجهة التي لم تعد محصورة في القطاع، بل أصبحت تمتد إلى أبعاد سياسية وعسكرية لم يكن الاحتلال مستعداً لها.

الاحتلال كان يسعى إلى صورة مغايرة، صورة يظهر فيها كقوة لا تُهزم، لكن ما حدث هو العكس تماماً. فالشارع الفلسطيني احتفل، والمقاومة استعرضت قوتها، والإسرائيليون رأوا بأم أعينهم أن "الردع" الذي يتحدث عنه قادتهم لم يعد له أي أثر في الواقع.

في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال: هل سيبقى الكيان يكابر على هزيمته، أمام الأحداث  التي تمهد لبداية توازنات جديدة ستفرضها المقاومة في الفترة المقبلة؟

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen