عروض القوة في غزة.. رسائل القسام ودلالات استعراض النصر
في مشهد يجسّد قوة الإرادة والصمود، عادت كتائب القسام إلى شوارع غزة بعروض تحمل في طياتها رسائل متعددة الاتجاهات، فمشاهد الاستعراض لم تكن مجرد استعراض للقوة العسكرية، بل جاءت لتؤكد على الثبات، وترسم صورة واضحة لمعاني النصر والمقاومة في وجه التحديات.
الاستسلام لمطالب حماس سيكون بمثابة هزيمة نكراء لدولة إسرائيل، نحن لسنا مستعدين لقبول وضع تخرج فيه كتائب حماس من مخابئها، وتسيطر على غزة مرة أخرى، هذا ما قاله رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لكن نبوءة المجرم لم تتحقق..
ثمة مفارقة ضخمة إذن بين طموحات نتنياهو وتعهداته، والواقع الذي تظهره الصور والمشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام من قطاع غزة، بما يؤكد أن الأهداف الرئيسية للحملة العسكرية الإسرائيلية المزعومة على القطاع الفلسطيني قد تبددت تماما، على الرغم من حالة الدمار الهائلة في المباني والبنية التحتية التي خلفها العدوان، وأعداد الشهداء التي بلغت قرابة 44 ألفا، فضلا عن أضعافهم من المصابين والمشردين.
تشير أدبيات العلوم العسكرية إلى ما يعرف باسم مركز الثقل للمنظمات العسكرية والذي قد يختلف من تنظيم لآخر ومن سياق لآخر.
بيد أنه في حالة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، تُظهر التجربة أن مركز ثقلها يعتمد بشكل رئيسي على الحاضنة الشعبية التي تمنح المقاومة عمقا اجتماعيا لا يقدر بثمن، وتمثل الخزان البشري دائم الإمداد الذي يمدها بالطاقات البشرية.
ومع إدراكه لهذه الحقيقة، يتعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف تلك الحاضنة الشعبية، عسكريا ومعنويا، بهدف رفع تكلفة دعمها للمقاومة، وممارسة الضغوط على قياداتها ونزع الغطاء الشعبي عنها.
ومع ذلك أظهرت الأجواء الاحتفالية التي نقلتها وسائل الإعلام في مناطق مختلفة من غزة بما فيها مناطق الجهد العسكري الإسرائيلي الكثيف، مثل شمال القطاع، أن حالة غزة استثنائية وفريدة، وأن ثقافة المقاومة متجذرة في هذا القطاع على نحو بالغ.
إلى جانب ذلك، كان أهم أهداف نتنياهو المعلنة هو تفكيك كتائب القسام، ومع ذلك أظهرت الساعة الأولى أيضا من صباح أمس مجندين عسكريين في كتائب القسام يقومون بما يشبه العرض العسكري جنوب القطاع في رفح، حتى قبل أن يبدأ رسميا تنفيذ وقف إطلاق النار من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من مزاعم إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول الماضي أنها استطاعت قتل ألفين من "عناصر" حماس في رفح وهدم 15 كيلومترا من شبكة الأنفاق، إلا أن هذا الظهور السريع والمنظم لكتائب القسام ربما يرجح أن التصريحات الإسرائيلية كانت موجهة للداخل لتبرير فشل مخطط التهجير إلى مصر واقتحام مناطق رفح بشكل واسع.
وطوال أشهر الحرب حاولت الحكومة الإسرائيلية تجريب عدة صيغ أحادية لإدارة قطاع غزة، من بينها الإدارة العسكرية المباشرة، لكن جيش الاحتلال فشل في إدارة عملية توزيع المساعدات في القطاع التي كانت بمثابة التجربة الأولى لهذه الصيغة.
وأخيرا، وصلت الحرب إلى ما يفترض أن تكون في مرحلتها النهائية، ولم تتغير طبيعة السلطة في قطاع غزة، بل يبدو أن منظومة القيادة والسيطرة لكتائب القسام ما زالت تعمل بكفاءة كاملة، حيث استطاعت الالتزام بموعد الإعلان عن أسماء الأسيرات الإسرائيليات اللواتي سيجري تسليمهن لسلطات الاحتلال.