الأزمات المعيشية في المحافظات المحتلة… معاناة يومية تُخفي صراع السيطرة وإعادة النفوذ
في ظل تصاعد الأزمات المعيشية والخدمية في المحافظات الواقعة تحت الاحتلال، تتكشف ملامح مشهد أكثر تعقيداً يتجاوز الفشل الإداري إلى سياسات ممنهجة تهدف إلى إعادة إحكام السيطرة على الجغرافيا اليمنية وثرواتها.
تشهد المحافظات الجنوبية والشرقية الواقعة تحت الاحتلال تدهوراً متسارعاً في الأوضاع المعيشية والخدمية، في ظل أزمات خانقة باتت تطال مختلف مناحي الحياة، من الغلاء الفاحش وانهيار العملة، إلى انعدام الخدمات الأساسية وتفشي الفوضى الاقتصادية. ويُجمع مراقبون على أن هذه الأزمات ليست نتاج اختلالات عابرة، بل نتيجة مباشرة لسياسات الاحتلال وأدواته المحلية، في إطار محاولات إعادة فرض السيطرة على المحافظات المحتلة وإخضاعها لمعادلات نفوذ جديدة.
وفي مدينة عدن، تتجلّى هذه السياسات بوضوح من خلال أزمة الخبز الأخيرة، بعد إضراب واسع للمخابز بسبب فرض تسعيرة جديدة وانعدام مادة الغاز، ما أدى إلى ازدحام غير مسبوق أمام الأفران القليلة العاملة. مشاهد الطوابير الطويلة، التي وثّقها ناشطون، عكست حجم المعاناة التي يعيشها المواطن في سبيل الحصول على أبسط مقومات العيش، في وقت تغيب فيه أي معالجات حقيقية من قبل الجهات المسيطرة على المدينة.
ويرى ناشطون أن استمرار هذه الأزمات يأتي في سياق إدارة متعمّدة للفوضى، حيث تُستنزف الموارد وتُعطّل المرافق الحيوية، فيما تُستخدم معاناة المواطنين كورقة ضغط سياسية. ويؤكدون أن القوى المحلية الموالية للاحتلال أخفقت، على مدى سنوات، في توفير حلول مستدامة، مقابل تصاعد مظاهر الفساد والنهب، وتقاسم الإيرادات، وفرض الجبايات خارج الأطر القانونية، الأمر الذي فاقم الانهيار الاقتصادي وألقى بتداعياته المباشرة على المجتمع.
وفي قراءة أوسع للمشهد، تشير تحليلات سياسية، استناداً إلى تصريح لعضو في المكتب السياسي لأنصار الله، إلى أن ما يجري في المحافظات المحتلة يتجاوز الأزمات الخدمية، ليعبّر عن مخطط خارجي يستهدف إعادة ترتيب النفوذ والسيطرة على الجغرافيا اليمنية وثرواتها وممراتها البحرية. ووفق هذا التوصيف، فإن الصراعات بين أدوات الاحتلال ليست سوى انعكاس لصراع إقليمي ودولي على الموارد والمواقع الاستراتيجية، بإشراف أمريكي مباشر وبتنسيق يخدم المصالح الصهيونية، لا سيما في ما يتصل بأمن الملاحة في البحرين الأحمر والعربي.
وتلفت هذه القراءة إلى أن التصعيد في محافظات مثل حضرموت والمهرة يتزامن مع تحركات لإنشاء قواعد عسكرية ومطارات في الجزر والمناطق الساحلية والصحراوية، ضمن مشروع أوسع يهدف إلى السيطرة على الثروات النفطية والمائية، وتحويل اليمن إلى ساحة نفوذ مجزأة قابلة للإدارة من الخارج. كما تشير إلى أن التنافس بين بعض أطراف التحالف لا يخرج عن السقف الذي ترسمه الإدارة الأمريكية، التي توظف هذا التباين لإضعاف الأطراف المحلية وتعميق الانقسام الداخلي.