12 تشرين ثاني , 2025

العراق ينتخب بثقة… والوعي الشعبي يسقط رهانات واشنطن

في مشهدٍ ديمقراطيٍّ نادرٍ الهدوء والتنظيم، توجّه ملايين العراقيين إلى صناديق الاقتراع، في انتخاباتٍ وُصفت بالأوسع مشاركة منذ عقدين، لتبدأ بعدها مرحلة سياسية حساسة يُراهن فيها العراقيون على ترسيخ الاستقرار ومواجهة التدخلات الأجنبية.

لم تكن الانتخابات العراقية حدثاً عادياً، بل اختباراً جديداً لوعي شعبٍ خبر المؤامرات الأمريكية منذ الغزو وحتى اليوم. ومرة أخرى، أثبت العراقيون أنهم قادرون على مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي عبر الأداة الدستورية لا بالسلاح وحده.

المفوضية العليا للانتخابات اكدت أن نسبة المشاركة بلغت أكثر من نصف عدد الناخبين المسجلين، وهي نسبة فاقت كل التوقعات السابقة. أكثر من عشرين مليون ناخب توزّعوا على آلاف المراكز، في مشهدٍ وصفه المراقبون بأنه الأكثر شفافية وتنظيماً منذ عام ألفين وثلاثة.

وفيما أشاد ممثّل الأمم المتحدة في بغداد بسير العملية الانتخابية، اعتبر قادة القوى السياسية أن المشاركة الواسعة تعبّر عن إرادة العراقيين في التغيير ضمن الأطر الدستورية.

لكنّ ما وراء الصناديق يحمل أبعاداً أعمق من مجرد تنافس انتخابي. فالانتخابات تجري في لحظة إقليمية مشتعلة، حيث تسعى واشنطن لإعادة رسم خرائط المنطقة على قياس مشروعها الجديد، القائم على تمكين “إسرائيل” وإضعاف كل دولةٍ ذات سيادة.

وفي هذا السياق، يُدرك العراقيون أن وحدتهم السياسية واستقرارهم الداخلي يشكّلان التحدي الأكبر أمام أي محاولةٍ لإعادتهم إلى دوّامة الفتن الطائفية والمناطقية.

خبراء يمنيون أكّدوا أن المشاركة المرتفعة شكّلت صفعةً لكلّ من راهن على إفشال العملية السياسية أو تأجيلها، واصفاً الانتخابات بأنها «عرس بطعم الانتصار لإرادة الشعب العراقي».

وأشار إلى أنّ الوعي الشعبي أحبط الرهانات الأمريكية التي أرادت تحويل الاستحقاق إلى أزمة جديدة، مؤكداً أنّ هذه الانتخابات فرصة لتطوير العملية السياسية وترسيخ السيادة الوطنية.

تجربة العراق في الاقتراع هذه المرّة تختلف عن كلّ ما سبقها. فالمواطن العراقي الذي واجه الإرهاب والحصار يدرك اليوم أن كل تدخلٍ أمريكي في شؤون بلاده لا يجلب إلا الفوضى. ولذلك، تحوّل التصويت من فعلٍ انتخابي إلى فعلٍ مقاومٍ بامتياز.

ما جرى في بغداد وسائر المحافظات ليس مجرّد انتخابات، بل إعلان إرادة شعبٍ يريد أن يكتب مستقبله بيده. فالعراق الذي أسقط داعش وأسقط قبله الاحتلال الأمريكي، يُثبت اليوم أنّه أسقط أيضاً وهم الوصاية، ليقول للعالم: القرار للعراقيين وحدهم، والمستقبل لمن يختار الكرامة والسيادة

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen