الاجتياح والصفقة.. غزة بين آلة الحرب ومقايضات السياسة
في الوقت الذي يتواصل فيه التدمير والقتل ممنهج في غزة بهدف احتلالها وتهجير سكانها، اتصالات حول الأسرى وخطة ترامب لوقف الحرب وترتيب إدارة القطاع.
في مدينة غزة، الموت لا يغادر السماء، والركام لا يفسح مجالًا للحياة. تدمير ممنهج، وقتل بالجملة، وتهجير قسري بات مكشوف النوايا... والهدف ليس فقط إخضاع غزة، بل احتلالها بالكامل. وبينما تتواصل المجازر، تُدار في الكواليس اتصالات حول الأسرى، وخطط تُرسم لتحديد مستقبل القطاع من دون الفلسطينيين.
ضمن المرحلة الثانية من عدوانه، أطلق جيش الاحتلال ما يسميه عملية "عربات جدعون 2"، مستهدفًا احتلال مدينة غزة بعد تهجير سكانها قسرًا. ثلاث فرق عسكرية اقتحمت المدينة، مدعومة بجرافات أميركية من نوع D9، تنفّذ سياسة الأرض المحروقة.
القصف الجوي لا يتوقف، وعمليات التدمير تتوسّع إلى الشيخ رضوان، تل الهوى، وحي الشاطئ. تقارير الاحتلال تشير إلى أن أكثر من نصف مليون فلسطيني نزحوا جنوبًا، فيما لا تزال آلة الحرب تحاصر كل من تبقّى.
في المقابل، المقاومة الفلسطينية ما زالت حاضرة، إذ وقعت اشتباكات مباشرة بين مقاتلي حماس وجنود الاحتلال شمال المدينة، أسفرت عن إصابة ضابط إسرائيلي بجروح خطيرة، في وقت أعلنت فيه كتائب القسام عن عرض جديد لأحد الأسرى الإسرائيليين، في رسالة واضحة: الأسرى ورقة لا تسقط بالتقادم.
وفي خضم النار، تُسجّل السياسة حضورها، إذ تسرّبت معلومات عن مبادرة جديدة طرحها دونالد ترامب، تشمل وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، تبادلًا جزئيًا للأسرى، وخطة لإدارة القطاع بمشاركة عربية ودولية. وتشير التسريبات إلى رغبة أميركية بإنهاء الحرب وتحديد من سيحكم غزة، عبر دعم مالي، وربما قوات دولية.
لكن داخل تل أبيب، الانقسام واضح. فحكومة نتنياهو ترفض أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة، وترى في الخطة "تنازلات خطيرة"، وإن اعترفت بأن جزءًا منها "لا مفر منه".
غزة اليوم ليست ساحة حرب فحسب، بل ميدان تصفية حسابات سياسية إقليمية ودولية. التهجير المتواصل، وتدمير المدينة بالكامل، لا يمكن فصله عن هدف الاحتلال الدائم، لا "تهدئة مؤقتة".
أما الحديث عن صفقات وخطط ما بعد الحرب، فهو تجاهل صارخ لصوت الشعب الفلسطيني، الذي لم يُسأل عن مصيره، ولا عن من يحكمه... بل يُفرَض عليه واقع جديد، بالقوة وبالنار.
الاحتلال لا يسعى فقط إلى إسكات المقاومة، بل إلى إعادة هندسة غزة ديموغرافيًا وسياسيًا. وبينما يُناقش مصير القطاع خلف الأبواب المغلقة... تُمحى غزة من الخريطة أمام أعين العالم.