النووي الإيراني... بين هواجس الغرب وشروط طهران
بين قاعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، وأجواء التوتر المتصاعد بين طهران والغرب، ينعقد اجتماع ربع سنوي يضع الملف النووي الإيراني مجدداً تحت المجهر. اجتماع يأتي بعد هجمات إسرائيلية وأميركية على منشآت نووية إيرانية، ووسط مخاوف غربية من أن تكون طهران على أعتاب امتلاك قدرات عسكرية نووية. وسط تأكيد إيران أن تعاونها مع الوكالة لن يكون كما كان قبل العدوان.
مع كل اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يعود الملف النووي الإيراني إلى واجهة المشهد الدولي. لكن اجتماع فيينا هذه المرة ينعقد وسط رياح مشتعلة: هجمات إسرائيلية وأميركية على منشآت نووية إيرانية، قوانين جديدة من البرلمان الإيراني تحدّ من التعاون مع الوكالة، وتكهنات غربية تتحدث عن اقتراب إيران من العتبة النووية، كل ذلك يضع فيينا أمام ساعات ثقيلة، بين خيار التهدئة وخطر الانفجار.
في تقرير سرّي تسرب الأسبوع الماضي، أكدت الوكالة أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة ستين في المئة بلغ أكثر من 440 كيلوغراماً قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير، وهي كمية تكفي – نظرياً – لإنتاج عشر قنابل نووية إذا رُفع مستوى التخصيب. هذه المعطيات رفعت منسوب القلق الغربي، ودعمت أصوات تطالب بإجراءات أكثر صرامة تجاه طهران.
لكن طهران تردّ بوضوح: نحن أعضاء في معاهدة حظر الانتشار، ملتزمون بالضمانات، لكن بعد العدوان الأميركي–الإسرائيلي لا يمكن أن يعود التعاون مع الوكالة كما كان من قبل. المتحدث باسم الخارجية الإيرانية شدد على أن أي تفاهم جديد يجب أن يحترم القوانين الداخلية ومصالح الأمن القومي الإيراني، وأن مقترح البرلمان بالانسحاب من معاهدة الحظر يبقى خياراً مطروحاً، وإن لم يُتخذ رسمياً بعد.
في فيينا، بدا المدير العام للوكالة رافاييل غروسي متفائلاً بإمكانية التوصل إلى إطار تعاون جديد يسمح باستئناف عمليات التفتيش، لكنه اعترف بأن الوقت يضيق وأن أي فشل قد يفتح الباب أمام قرارات دولية جديدة ضد إيران. وهنا تتعدد السيناريوهات الأفضل: اتفاق وسط يضمن عودة التفتيش، ويمنع مجلس المحافظين من إصدار قرار عقابي جديد. الأصعب: فشل المحادثات، وصدور بيان أو قرار ضد إيران، ما قد يعيد الملف إلى مجلس الأمن ويطلق العقوبات الدولية من جديد. الأخطر: أن يقترن أي قرار ضد طهران بتصعيد عسكري ميداني، على غرار ما حدث بعد اجتماع المجلس السابق حين شنت إسرائيل هجمات مباشرة على الأراضي الإيرانية.
بين الضغوط الغربية والقيود الإيرانية، تقف الوكالة الدولية على حافة اختبار صعب: فإما أن تثبت استقلاليتها كجهاز فني معني بالشفافية، وإما أن تتحول إلى أداة سياسية في لعبة شد الحبال بين إيران والغرب. وفي كل الأحوال، فإن مستقبل الملف النووي، ومعه أمن المنطقة برمّتها، قد يتحدد في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة.