08 أيلول , 2025

عجز عسكري وفشل ميداني… الاحتلال ينتقم من أبراج غزة

حين عجز الاحتلال عن تحقيق أي مكاسب ميدانية أمام صمود المقاومة في غزة، لجأ العدو إلى الانتقام من الأبراج السكنية والملاجئ المكتظة بالنازحين التي تحوّلت في لحظات إلى ركام، في حرب لا تستهدف مقاتلين ولا مواقع عسكرية، بل تحاول تعويض الفشل بالهدم والتشريد، في مشهد يختصر مأساة مدينة تُدمَّر حجراً وبشراً على مرأى العالم.

حين يعجز الاحتلال الإسرائيلي عن مواجهة المقاومة في الميدان، يلجأ إلى سلاحه الأسهل: التدمير. هكذا فتحت طائراته أبواب الجحيم على مدينة غزة، مستهدفة الأبراج السكنية والمراكز الإيوائية، في محاولة يائسة لتعويض خسائره الميدانية وفشله في تحقيق أي تقدّم استراتيجي على الأرض. لكنّ هذا العدوان لم يخلّف سوى الركام، ومئات آلاف النازحين، ومأساة إنسانية تضج بها شوارع المدينة.
أبراج غزة، التي شكّلت على مدى سنوات رمزاً لعمرانها الحديث وحياة سكانها، تحوّلت إلى كتل إسمنتية محطمة. برج مشتهى ذو الطوابق الأربعة عشر، الذي كان يحتضن نحو سبعين شقة ومئات العائلات النازحة، سقط في لحظات، تماماً كما سقط برج السوسي وعمارة الرؤيا في حي تل الهوا. 
الاحتلال برّر قصفه بادعاءات عن غرف قيادة للمقاومة وكاميرات مراقبة، غير أن الحقيقة الواضحة أن تلك الأبراج لم تكن سوى بيوت وملاجئ لأبرياء نزحوا أصلاً من بيوتهم المدمرة. يقول خبراء إن تدمير برج واحد يعادل محو حي كامل من ستين منزلاً، بما يعنيه ذلك من تشريد جماعي لعشرات الأسر في لحظة واحدة. لم تكن هذه مجرد ضربات جوية، بل سياسة منظمة تستهدف اقتلاع الناس من جذورهم، ومحو أي معلم للحياة في المدينة.
ومع كل صاروخ يسقط على بناية سكنية، تتناثر القصص الإنسانية تحت الركام: أمهات يبحثن بين الحجارة عن صورة طفل، أطفال مذهولون يتساءلون عن معنى أن يصبحوا بلا بيت في ثانية واحدة، وعائلات بأكملها تجد نفسها في العراء بعد سنوات من الكدح والعمل.
لكنّ هذا الجنون التدميري يخفي وراءه مأزقاً عسكرياً عميقاً. فبعد أشهر من الحرب، لم يحقق الاحتلال أي إنجاز ميداني يذكر. انسحب من حي الزيتون بعد سبعة عشر يوماً من التوغّل تاركاً وراءه الدمار بلا مكاسب. وفي الشيخ رضوان، لجأ إلى رافعات عملاقة وكاميرات وأسلحة آلية لإفراغ الأحياء، بعدما فشل جنوده في السيطرة عليها. وهكذا، عجز الجيش عن فرض سيطرته على الأرض، فلجأ إلى الانتقام من الحجر والإنسان معاً.
ولم يقتصر القصف على الأبراج، بل طال المراكز التي تحوّلت إلى ملاجئ كبرى، مثل نادي الجزيرة في غرب غزة، الذي كان يحتضن مئات العائلات النازحة قبل أن يُسوى بالأرض، 8خيامه في مشهد يختصر قسوة النزوح ومأساة التهجير.
رغم ذلك، لم تنجح خطة الاحتلال في فرض النزوح جنوباً كما أراد. ففيما أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن نحو تسعين ألفاً نزحوا إلى وسط القطاع وجنوبه، أكدت المصادر المحلية أن عشرين ألفاً عادوا عكسياً إلى الشمال خلال يومين فقط، بعدما ضاقت بهم مناطق الجنوب المكتظة، رافضين أن يكونوا وقوداً لمشروع التهجير القسري.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة تُقصف، بل ساحة اختبار لفشل جيشٍ يملك أحدث الأسلحة، لكنه يعجز عن مواجهة مقاتلين صامدين. فيعوض عجزه بمجازر ضد الأبراج، في محاولة لمحو ذاكرة مدينة بأكملها. لكن الركام الذي يظنه الاحتلال نهاية الحكاية، قد يتحول إلى شاهد جديد على صمود شعب يرفض أن يُهزم أو يُمحى.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen