تطهير صامت في الأغوار: الوجه الآخر لحرب الإبادة
في ظل التصعيد الإسرائيلي الشامل، تشهد الأغوار الشمالية تهجيرًا وتطهيرًا عرقيًا صامتًا يستهدف التجمعات البدوية، ضمن سياسة ممنهجة لإفراغ الأرض من أصحابها الأصليين.
في ظل انشغال العالم بما يجري في غزة، تتسارع وتيرة التهجير المنهجي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتحديدًا في الأغوار الشمالية، حيث تشنّ إسرائيل حربًا صامتة على الوجود البدوي في المنطقة، وفق ما حذرت منه منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، التي وصفت ما يحدث بأنه تهجير ناعم وتطهير عرقي صامت.
المنظمة أكدت في بيان أن ما تتعرض له التجمعات البدوية بالأغوار ليس مجرد سلسلة اعتداءات عشوائية، بل سياسة إسرائيلية مدروسة تهدف إلى تفكيك البنية الاجتماعية والاقتصادية للسكان الأصليين. وتتنوع أدوات التهجير بين تسميم المواشي، وتخريب الأراضي الزراعية، وهدم المنازل، وقطع مصادر المياه، في محاولة لخلق بيئة طاردة لا تترك للفلسطيني سوى خيار الرحيل.
وتقع منطقة الأغوار، التي تمثل نحو 30% من مساحة الضفة الغربية، على امتداد استراتيجي من بيسان شمالاً حتى النقب جنوباً، وهي من أغنى المناطق بالموارد الزراعية والمائية، وتعد مصدر رزق أساسي لآلاف العائلات البدوية. وقد أشار حسن مليحات، المشرف العام على المنظمة، إلى تهجير 64 من أصل 212 تجمّعًا بدويًا، ما يعني اقتلاع نحو 9 آلاف فلسطيني من أرضهم.
وفي موازاة هذه السياسة، كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عن تنفيذ 1821 اعتداء في الضفة خلال شهر تموز فقط، بينها 466 اعتداء مباشر من قبل المستوطنين، خلّفت أربعة شهداء، في وقت يجري فيه العمل على إقامة 18 بؤرة استيطانية جديدة، وتوسيع العشرات من المخططات الاستيطانية الأخرى.
هذه الانتهاكات تأتي ضمن سياق أوسع من الحرب الإسرائيلية الممتدة منذ 7 تشرين الأول 2023، والتي ترافقت مع دعم أمريكي مطلق، وأسفرت عن أكثر من 210 آلاف شهيد وجريح في غزة، لكنها تجاوزت حدود القطاع لتتحول إلى مشروع استيطاني متكامل يطحن ما تبقى من الأرض والإنسان في الضفة.
إن ما يجري في الأغوار ليس سوى الوجه الآخر لحرب الإبادة الجماعية، وقد حان الوقت لتتحرك المنظمات الدولية والحقوقية لوقف هذا المسار المدمر، قبل أن يُمحى وجود الفلسطيني من الخارطة، بالصمت.