اليمن يوسّع خارطة المواجهة ويُسقط وهم التفوق الصهيوني
عمليات القوات اليمنية النوعية ضد الكيان الصهيوني تعكس حضورًا إقليميًا متصاعدًا لليمن ودورًا لا ينحصر في الاطار العسكري بل تتعداه الى الاقتصادي والاخلاقي.
في ساحةٍ يزداد لهيبها، لم تعد صنعاء تكتفي بالتضامن اللفظي. بل دخلت ميدان النار بالفعل، ففتحت جبهة الجنوب ضد الاحتلال الصهيوني، في معادلة تجاوزت بعدها العسكري لتلامس أعماقًا استراتيجية وسياسية وأخلاقية تعيد رسم المشهد الإقليمي بأسره
الضربات اليمنية المتواصلة، من بحر العرب والبحر الأحمر، كسرت وهم الجغرافيا والمسافة، وأسقطت أسطورة العمق الآمن للكيان. لم تعد تل أبيب تملك رفاهية الاعتماد على بعدها عن غزة أو جنوب لبنان، إذ باتت السماء والبحر مفتوحين أمام نار تتقن الرماية من آلاف الكيلومترات
اليمن، البلد المحاصر والمنهك منذ سنوات، خرج من عباءة الضحية ليتحوّل إلى فاعل إقليمي يفرض حضوره. عملياته لم تكن رمزية، بل كانت ضربات مركزة أربكت الحسابات العسكرية والاقتصادية للعدو. استهداف الملاحة في البحر الأحمر فرض حصارًا بحريًا غير معلن على تل أبيب، وتسبب بخسائر اقتصادية مستمرة، أرغمت شركات النقل والتأمين على إعادة حساباتها
لكن الرسالة الأخطر تكمن في ما يتجاوز السفن والموانئ. اليمن، بموقفه الحازم، يثبت وحدة الجبهات ضمن محور المقاومة. لم تعد القدس وحدها في الميدان، بل اصبح كل اعتداء على غزة يستدعي ردا من صنعاء. فُتحت جبهة جديدة جنوبية، غير تقليدية، تضغط على الاحتلال من خاصرته التي ظنّها آمنة
في سياق أوسع، تبرز هذه الضربات كأداة استراتيجية لكشف هشاشة الردع الصهيوني. فتل أبيب، رغم ترسانتها العسكرية الهائلة، تعجز عن إسقاط كل الصواريخ، أو حتى عن الكشف عن حجم الأضرار. الصمت الإسرائيلي ليس غموضًا تكتيكيًا، بل ذعرٌ داخليّ من اتساع الجبهات، وتآكل الثقة بالمنظومات الأمنية
ومع كل طائرة يمنية تحلّق في سماء البحر، تنمو مكانة صنعاء كقوة قرّرت أن تلعب دورها في معادلة المصير. لم تعد اليمن بلدًا منكفئًا داخل حدوده، بل طرفًا استراتيجيًا قادرًا على التأثير في مآلات المواجهة مع المشروع الصهيوني. وهنا، تتفكك الصورة الغربية النمطية التي أرادت اليمن مشغولًا بلقمة الخبز، فإذا به يشارك في كتابة بيان المعركة
الرسالة الأخيرة لم تكن للصهاينة فقط، بل للفلسطينيين أوّلًا. من صنعاء، وُجّهت دفعة معنوية للمقاومة، وشعور طاغٍ أن الدم الفلسطيني ليس رخيصًا، وأن غزة ليست وحدها. إن حضور اليمن في المعركة، وإن كان من خلف البحار، يشكّل كسرًا للعزلة، وامتدادًا لجبهة تُدرك أن صراعها ليس حدوديًا، بل وجوديًا
ولأن الكيان الصهيوني لا يقاتل فقط بالسلاح، بل يحتمي أيضًا بهيمنة سياسية وإعلامية، فإن هذه الضربات اليمنية تسهم في تعميق عزلته على المسرح الإقليمي. فكل صاروخ يُطلق من جنوب الجزيرة، هو صفعة لمشروعٍ يلفظ أنفاسه، ودليل على أن الزمن الذي كان فيه العدو يختار توقيت الحرب، قد ولّى