مسرحية المساعدات في غزة... تغطية دعائية لسياسة التجويع والإبادة
في مشهد إنساني يزداد قتامة في غزة ، تحوّلت المساعدات من شريان حياة إلى أداة حصار، ومن عمل إنساني إلى جزء من آلة الحرب الصهيونية، حيث تؤكد الوقائع الميدانية والتقارير الرسمية أن ما يُقدَّم للعالم على أنه إغاثة، لا يتعدّى كونه غطاءً إعلاميًا لتجميل وجه الاحتلال والتغطية على جريمة التجويع الممنهج التي تُمارس بحق أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني.
رغم مشهد الشاحنات الملونة التي تمر عبر معبر رفح أو تُسقَط من الجو، فإن الحقيقة على الأرض مختلفة تماماً، بل صادمة.
المساعدات التي يُروّج لها في الإعلام على أنها شريان الحياة لقطاع غزة، لا تصل بمعظمها إلى مستحقيها، ولا تكفي حتى الحد الأدنى من احتياجات السكان، بل تتحول إلى أداة سياسية في يد الاحتلال، ضمن مسرحية مدروسة بدقة لتبييض صورته وتخفيف الضغط الدولي.
قطاع غزة يحتاج يومياً إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات ووقود، وفقاً لما يؤكده المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في حين لا يُسمح بدخول سوى عدد رمزي، يُختار توقيته ومحتواه بعناية تخدم رواية الاحتلال، لا احتياجات المحاصرين.
أما الإنزالات الجوية، التي تُقدَّم على أنها حلول إنسانية بديلة فقد تحوّلت إلى مصائد موت؛ إذ سقطت 4 من أصل 6 عمليات إنزال في مناطق خطرة أو خاضعة للاحتلال، حيث يتعرض أي شخص يقترب منها لخطر القصف أو القنص، ما يجعلها عديمة الفائدة، بل مميتة. وفي الخلفية، تظهر يد الاحتلال الخفية تدير كل شيء، من تأخير المساعدات، إلى تحديد مسارها، إلى تركها عمداً في فراغ أمني تغذّيه الفوضى والنهب المسلح، ليُحرم منها أصحابها الحقيقيون. هذا السيناريو يتكرّر يومياً، كما حصل مع 109 شاحنات مساعدات، تعرّضت غالبيتها للنهب وسط فوضى تُصنّعها تل ابيب لإفشال أي توزيع منظم.
وتكشف تقارير ميدانية أن الاحتلال يستغل غياب التنسيق مع الحكومة المحلية في غزة، ويقصف ممرات الإمداد، ويسمح لأطراف مرتبطة به أو متواطئة معه بالسيطرة على الشاحنات وسرقتها. وفي الوقت ذاته، تُبث الصور عبر الإعلام الرسمي لتبدو المساعدات وكأنها تنقذ الجوعى، بينما الحقيقة أن أكثر من مليوني إنسان لا يجدون ما يسد الرمق.
الواقع الميداني تدعمه تقارير الأمم المتحدة، التي أكدت أن مئة بالمئة من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، سوء التغذية بلغ مستويات المجاعة في معظم أنحاء القطاع، 147 شهيدًا حتى الآن بسبب الجوع، بينهم 88 طفلًا.
اذا يواصل العدو هندسة مجاعة محكمة، فما يجري في غزة ليس مجرد مجاعة، بل أداة ضغط ممنهجة، الاحتلال لا يوزّع مساعدات بل يستثمرها في تثبيت السيطرة وتجميل صورته أمام العالم، في وقت تُدفن فيه الطفولة تحت الأنقا، ويُترك الجوع يفتك بقلوب الأمهات، وسط صمت عالمي، وصور خادعة تُسقط من السماء.