الانتصار المُشوَّه... تصدُّع السردية الإسرائيلية بعد مواجهة إيران
في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل والولايات المتحدة إلى تصدير صورة نصر حاسم ضد إيران، تتكشّف يوماً بعد يوم معطيات تُقوّض هذه السردية، وتُظهر أن ما جرى لم يكن سوى جولة مكلفة وغير حاسمة من المواجهة.
تتزعزع رواية "الانتصار الكامل" التي روّجت لها كلٌّ من واشنطن وتل أبيب عقب المواجهة الأخيرة مع إيران. فبينما تحدّث الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن تدمير البرنامج النووي الإيراني، تشير المعطيات على الأرض إلى واقع مختلف.
في هذا السياق، شكّك رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود باراك، في جدوى ما تحقق، قائلاً إن إيران ما تزال تملك أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب، وهو ما يكفي لتصنيع عشر رؤوس نووية، إضافة إلى استمرار وجود أجهزة طرد مركزي ومواقع لم تُكتشف بعد. وأضاف في مقالة نُشرت له في صحيفة "هآرتس"، أن إسرائيل "لم تدمر البرنامج النووي الإيراني"، وإنما فقط "أرجأت تقدّمه لأشهر معدودة".
أما على صعيد الخسائر، فقد بدأت قنوات إسرائيلية بالكشف عن جانب من الأضرار التي لحقت بالبنى العسكرية الاستراتيجية داخل إسرائيل. القناة 13 العبرية نقلت عن مصادر رسمية أن العديد من المواقع العسكرية، خاصة في تل أبيب، تعرضت لقصف مباشر من الصواريخ الإيرانية، في وقتٍ تم فيه التكتّم عن حجم هذه الضربات.
ومع تصاعد هذه التسريبات، بدأ الكيان الصهيوني الإعداد للجولة المقبلة. وزير الأمن، يسرائيل كاتس، أعلن عن خطّة جديدة تستهدف إبقاء التفوق الجوي ومنع تقدّم البرنامج النووي الإيراني، مشدداً على أن عملية "الأسد الصاعد" كانت فقط البداية.
لكن هذه الاستعدادات تصطدم بعقبة تمويل الحرب. فقد رفضت وزارة المالية طلب الجيش زيادة موازنته بـ60 مليار شيكل، ما يُهدد بتأخير صفقات حيوية، مثل صواريخ "حيتس" الباهظة الثمن، وعربات "هامر" التي أصبحت "خردة" بفعل الاستخدام المكثف في غزة. وقدّر مسؤولون أمنيّون حجم الخلاف بين الجيش والمالية بأنه "الأعنف منذ سنوات"، ما ينعكس بشكل مباشر على الجبهة العسكرية.
كما أقرّ الجيش الإسرائيلي بخسائر كبيرة في الطائرات المسيّرة خلال العمليات داخل إيران، مشيراً إلى أنّ طهران بدأت بالفعل تصنيع صواريخ جديدة لتجاوز منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
وفي تقييمٍ لاحق للحرب، اعتبر الخبير العسكري في "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، أنّ إسرائيل تحتاج إلى مراجعة عاجلة لمستوى الضرر الحقيقي الذي أُلحق بالبرنامج النووي الإيراني، ولما تبقى من القدرات الصاروخية لطهران.
وبينما تعيد إسرائيل ترتيب أوراقها، تستعد إيران بدورها للجولة القادمة، في ظلّ سباق تسلّح معلن، وميدان مواجهة مفتوح، قد لا يكون الهدوء الراهن سوى ما يسبق العاصفة التالية.