من الموت إلى الرحيل: كيف يصنع الاحتلال بيئة قسرية لاقتلاع الفلسطينيين؟
إلى ذلك اتهم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ تهجير قسري منظم لسكان غزة، محذرًا من تسويق الجريمة على أنها هجرة طوعية، في وقت تفرض فيه بيئة قهرية قاتلة تجبر الفلسطينيين على مغادرة وطنهم تحت الضغط و الاكراه.
في واحدة من أكثر الجرائم وقاحة في التاريخ المعاصر، لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بذبح الفلسطينيين وقصف منازلهم ومسح مدنهم عن وجه الأرض، بل تجرأ على تسويق مشروعه الإجرامي في قطاع غزة على أنه هجرة طوعية ، تحت ستار الكذب الرسمي وبمباركة صمتٍ دولي مخزٍ، ينفّذ العدو مخططه الممنهج لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ويُلبسه لبوسًا إنسانيًا مزيّفًا في محاولة خبيثة لإعادة تعريف التهجير القسري وتقديمه كخدمة بيروقراطية مغلّفة بمفردات زائفة. المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان كشف في بيان مفصل أن الاحتلال ماضٍ في تنفيذ المرحلة الثانية من جريمته الكبرى: الطرد الجماعي المنظم لسكان قطاع غزة، مستخدمًا أدوات عسكرية ومؤسسية لتجريد الفلسطينيين من أرضهم وحقوقهم تحت شعار الانتقال الطوعي.
وأوضح المرصد أن الاحتلال أسّس مديرية رسمية تابعة لوزارة الدفاع، تنظم ما تسمى عملية مغادرة منظمة، وتجهّز البنية التحتية اللازمة لنقل الفلسطينيين إلى دول ثالثة، في خطوة تكشف أن التهجير لم يعد مجرّد نتيجة للدمار، بل سياسة رسمية معلنة ومخططة بعناية.
وأشار التقرير إلى أن سكان القطاع يعيشون في ظروف لا تترك أي هامش لحرية القرار: مجاعة، أمراض، تدمير ممنهج، قصف مستمر، وانعدام كامل للخدمات. هذه البيئة القسرية لم تكن عرضية ولا ناتجة عن كارثة طبيعية، بل صُممت عمداً لانتزاع الإرادة ودفع السكان إلى الرحيل تحت الضغط.
التقرير استعرض تصريحات علنية لمسؤولين صهاينة من بينهم نتنياهو وسموتريتش وبن غفير دعوا صراحة إلى ترحيل الفلسطينيين من غزة، والترويج لهذه الجريمة كحل منطقي للأزمة، في انقلاب فجّ على القانون الدولي. وأكد المرصد أن أي خروج من القطاع في ظل هذه الظروف هو تهجير قسري مكتمل الأركان، لا تبرره اعتبارات إنسانية، ولا يغطيه استخدام مفردات كالخيار الفردي، محذرًا من أن هذا التزوير المتعمد للواقع لا يشرعن الجريمة بل يكشفها أكثر.
وأمام هذا الواقع المظلم، لا يبقى للفلسطينيين سوى تمسكهم الثابت بحق العودة، وللعالم سوى خيار الوقوف على المحك الأخلاقي والقانوني. التهجير القسري ليس خيارًا، ولا صمت العالم حيادًا. كل خروج من غزة تحت القصف والجوع هو نفيٌ قسري لإرادة شعب، وجريمة موصوفة لا تسقط بالتقادم. فوقف هذا المسار لا يتطلب إدانات عابرة، بل تحركًا دوليًا جادًا يعيد تعريف العدالة في زمن يحاول فيه الاحتلال إعادة تعريف الجريمة.