تصعيد استيطاني جديد في الضفة الغربية: الاحتلال يكرّس واقع الضم التدريجي
بينما ينشغل العالم بجرائم الاحتلال، يواصل العدو تنفيذ مخطط الضم الزاحف، مع المصادقة على الف ومئة وسبعين وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، ضمن سياسة استيطانية متسارعة تخنق القرى الفلسطينية وتدمر أي أفق سياسي، وسط صمت دولي ومواجهة مفتوحة على الأرض.
في خطوة جديدة ضمن سياسة الضم الزاحف للضفة الغربية المحتلة، يستعدّ "المجلس الأعلى للتخطيط" في حكومة الاحتلال الإسرائيلي للمصادقة، يوم الأربعاء المقبل، على بناء 1170 وحدة استيطانية جديدة في أربع مستوطنات. هذه المصادقة تأتي في سياق موجة استيطانية متسارعة تعزز واقعًا استيطانيًا مفروضًا بالقوة، وتكرّس الاحتلال في ظلّ تواطؤ دولي وصمت رسمي من الجهات الفاعلة دوليًا.
وفق ما كشفته منظمة إسرائيلية غير حكومية، فإنّ الاجتماع المرتقب في 26 شباط/فبراير 2025، سيناقش الموافقة على بناء 1170 وحدة استيطانية في مستوطنات: جفاعوت، إيتامار، شعاري تيكفا، وجفعات زئيف، حيث ستكون الحصة الأكبر لمستوطنة جفاعوت، المجاورة لقرية نحالين الفلسطينية، إذ سيتم بناء 756 وحدة جديدة فيها، وهو ما يعني توسعها بشكل غير مسبوق على حساب الأراضي الفلسطينية.
هذه المستوطنة، التي لا يزال يسكن جوارها نحو 50 عائلة فلسطينية، ستصبح محاطة بمزيد من الوحدات الاستيطانية، ما يشكّل خنقًا تدريجيًا للوجود الفلسطيني عبر قضم الأرض ومحاصرة القرى المجاورة، لتكرار مشهد الاستيطان الذي حوّل مدن الضفة الغربية إلى جزر معزولة ومفصولة عن بعضها البعض.
بحسب البيان الصادر عن المنظمة، فإنّ حكومة الاحتلال، بقيادة بنيامين نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، أجرت تعديلات على إجراءات الموافقة على خطط الاستيطان في حزيران/يونيو 2023، حيث ألغت شرط الحصول على موافقة وزير الأمن في جميع مراحل المصادقة، ما جعل قرارات الاستيطان أكثر سهولة وأقل عرضة لأي مراجعة سياسية أو عسكرية.
هذا التعديل مكّن المجلس الأعلى للتخطيط من عقد اجتماعات أسبوعية منذ كانون الأول/ديسمبر 2024، لمناقشة مشاريع استيطانية متتالية، بحيث تتراوح الموافقات في كل جلسة بين عدة مئات إلى أكثر من ألف وحدة سكنية.
في الوقت الذي تتجه الأنظار إلى جرائم الاحتلال في غزة والجنوب اللبناني، تعمل حكومة الاحتلال بهدوء على فرض واقع استيطاني جديد في الضفة الغربية، مستغلة الانشغال الإقليمي والدولي. هذا الواقع يتزامن مع ارتفاع أعداد المستوطنين في الضفة بشكل غير مسبوق، حيث كشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في وقت سابق عن تسارع وتيرة بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية خلال السنوات الأخيرة، بشكل يجعل إمكانية تفكيكها مستقبلاً شبه مستحيلة.
ويرى مراقبون أن هذه السياسة لا تهدف فقط إلى توسيع الاستيطان، بل إلى تكريس الاحتلال بشكل دائم، عبر جعل الضفة الغربية جزءًا لا يتجزأ من "إسرائيل" دون إعلان رسمي عن الضم، وذلك ضمن استراتيجية "الضم الزاحف" التي تعمل عليها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
هذه السياسة الاستيطانية، التي تعتمد على التمدد في عمق الضفة الغربية وربط المستوطنات ببعضها البعض، ستؤدي بلا شك إلى تصعيد المواجهات مع الفلسطينيين الذين يرون في الاستيطان اعتداءً مباشراً على حقوقهم وأراضيهم. فكل توسع استيطاني جديد يعني المزيد من المصادرات للأراضي، المزيد من نقاط التفتيش والحواجز، والمزيد من الضغط على الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة القسرية من مناطقهم.
أمام هذا المشهد، يبقى الفلسطينيون في الضفة الغربية في مواجهة مفتوحة مع الاستيطان والاحتلال، حيث لا يملكون سوى الصمود على أرضهم ورفض المخططات التي تستهدف وجودهم. وبينما يستمر الاحتلال في قضم الأراضي، تبقى المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها هي الصوت الوحيد الذي يعبّر عن رفض هذه المشاريع، في ظل عالم قرر أن يتجاهل هذه القضية.