22 شباط , 2025

وداعُ القائدينِ.. بيروت تتحضر لتشييع قادتها في موكبٍ مهيب

لبنان يودع رجالَه، لكنه يرفعُهم شهداءً خالدين، ويرسُمُ بهم فصلًا جديدًا في تاريخِ المقاومة. القادةُ رحلوا بأجسادِهم، لكنَّ دربَهم يظلُّ منارةً للأوفياء، والرايةُ التي رفعوها لن تنحني، بل ستبقى خفَّاقةً فوق ميادينِ العزِّ، حتى النصر.

على ثراها ستُوسَّدُ وجنتاه، بعد أن سار العمرَ الشريفَ على دربها، عالمًا وثائرًا وقائدًا عظيمًا.. فشهيدًا عزيزًا.

هي تربةُ القدس، أولُ من يُسارعُ لاستقبالِ سيّدِ شهداءِ الأمةِ وصفيِّه الهاشميّ، وصلت في قارورةٍ إلى بيروتَ، تُحيطُها دموعُ الأوفياءِ وقلوبُ الثكالى، كي تكون شاهدةً على وداعِ الرجلينِ اللذين لم يعرفا للحياةِ معنى إلا على دربِها، ولم يُهادِنا يومًا في حُبِّها حتى آخر قطرةِ دمٍ طاهرةٍ خطَّت على جَبينِ هذا الوطنِ الجريح.

بيروتُ، وجهُ المقاومةِ وقلبُها النابض،تتشح بالأعلامِ السوداء، وتَحمِلُ شرفَ احتضانِ الجنازةِ الأعظم، حيث تستعدُّ الضاحيةُ الجنوبيةُ لتكونَ عاصمةَ الوفاءِ يوم الأحد، يومَ توديعِ القائدِ الأمميِّ والتاريخيِّ سماحةِ السيد حسن نصر الله، وخليفتهِ وصفيِّه السيد هاشم صفي الدين، اللذينِ رحلا جسدًا، لكنّهما يَبقيانِ بوصلةَ هذه الأمةِ حتى النَّفَسِ الأخير.

بيروتُ التي طالما كانت قبلةَ المُحبِّينَ تحتضنُ اليومَ جراحَهم، تستقبلُ سيولًا بشريةً لم يعرفها التاريخُ إلا في وداعِ العظماء. من كلِّ أصقاعِ الأرضِ، يتقاطرُ الأوفياءُ، يجتازونَ القاراتِ والبحار، يجمعُهم حبُّ هذا القائدِ الذي ارتقى إلى السماءِ ليُسطِّرَ في دفاترِ التاريخِ صفحةً جديدةً من العزِّ والخلود.

على مقربةٍ من الحدثِ العظيم، تتسابقُ الساعاتُ، وكلُّ نبضاتِ القلوبِ تتَّجِهُ إلى الضاحيةِ الحزينة، إلى شوارعِها التي يملؤها بكاءُ الأطفالِ، دموعُ الأمهاتِ، وعزمُ الرجالِ الذينَ أقسموا أن دماءَ القادةِ لن تذهبَ هدرًا، وأنَّ قضيَّةَ فلسطينَ التي قدَّموا أرواحَهم من أجلِها ستبقى قِبلةَ المجاهدينَ، مهما تَغوَّلَ العدوُ الصهيونيُّ وسيِّدُه الأمريكي.

لقد تَكاملَت التحضيراتُ وامتلأتِ الساحاتُ بالمُشيِّعين، لكنَّ هذا ليس وداعًا، بل ميثاقٌ جديدٌ على عهدِ المقاومةِ الذي خَطَّهُ السيدانِ الشهيدانِ بدمائِهما،غدا يوم قسم جديد رسالة من المحبين ان

على هذه الأرضِ التي عرَفتْكُم قادةً، أبطالًا، حصنًا للكرامةِ ورايةً لا تنحني، ستُسجّى أجسادُكُم الطاهرةُ، وستَبكيكُم مدينةٌ لطالما احتضنتْ نِداءَكُم، وأقسمتْ أن لا تَنحني إلّا لله. بيروتُ حزينةٌ كما لم تَكنْ يومًا، ضاحيتُها تبكيكُم، وأزِقّتُها تَرتدي السّوادَ، والشّوارعُ تَختنقُ بحُشودِ المحبّينَ الذينَ يَحملونَ دمعَهُم على كفوفِهم، وقَلوبَهُم على الأكفان.

يا سيدا العلم ورفيقا الجهاد والشهادة، أنتما لَسْتُما شهداءَ فحسب، أنتم وصيَّةُ السماءِ التي أتممتُمُوها بدمائِكُم، أنتم القَسمُ الذي خَطَّهُ المجاهدونَ، أنتم الخُطى التي لن تَتوقَّفَ، والصَّدى الذي سيظلُّ يَتردَّدُ في سَاحاتِ القدسِ وشوارعِ الضاحيةِ، وفي قلبِ كُلِّ مقاومٍ يَعرِفُ أنَّ هذا الطريقَ لا يَنتهي إلّا بالنّصرِ أو بالشّهادة.

بيروتُ اليومَ ليست مدينةً، بل نَهرٌ من الدّمعِ والوفاءِ، والمقاومةُ ليست حركةً، بل شُهَداءُ يَصنعونَ المجدَ بأرواحِهِم. فسلامٌ على أرواحِكُم الطاهرةِ، وسلامٌ على دربِكُم الذي لن يَندثِر، وسلامٌ على قَضيّتِكُم التي تَرفعُ رؤوسَنا، حتى وإن أحنَتنا الفاجعةُ دموعًا ووجعًا.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen