بعد سته واربعين عاما من التحدي...كيف كسرت الثورة الإسلامية الغطرسة الأمريكية؟
منذ انتصار الثورة الإسلامية عام الف وتسعمئة وتسعه وسبعين شكلت إيران نموذجًا فريدًا في الصمود والتحدي، متجاوزة العقوبات والحصار والتهديدات العسكرية، ومؤكدة على استقلال قرارها السياسي بعيدًا عن الهيمنة الغربية.واليوم، في الذكرى الـ46 لانتصار الثورة، تعيد إيران التأكيد على ثوابتها: لا تفاوض تحت الضغط، لا انحناء أمام العقوبات، ولا مساومة على استقلالها، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى تعيد تشكيل معادلات القوة، لتبقى إيران لاعبًا رئيسيًا في قلب الصراع ضد المشاريع الأمريكية والصهيونية.
بينما تمر الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الإسلامية، لا تزال إيران ترفع راية الصمود في وجه الضغوط الأمريكية المستمرة، بل وتعزز من مواقفها الثابتة إقليمياً ودولياً. في كلمته بمناسبة ذكرى الثورة، شدد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على أن سر انتصارات بلاده يكمن في وحدة الشعب وحضوره في الساحات، مؤكدًا أن إيران لم ولن تخضع لأي ضغوط خارجية، مهما بلغت شدتها.
لم يكن حديث بزشكيان مجرد خطاب احتفالي، بل جاء محملاً برسائل سياسية واضحة في ظل تصاعد التوتر مع واشنطن. فمنذ انتصار الثورة، ظل الغرب يحاول فرض سيطرته على القرار الإيراني، بدءًا من الحرب العراقية الإيرانية، مرورًا بالعقوبات الاقتصادية الخانقة، وصولًا إلى محاولات زعزعة الاستقرار الداخلي. لكن كما أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فإن "لا دولة تتفاوض في ظل التهديدات والعقوبات الشديدة".
رفض إيران الجلوس على طاولة مفاوضات تحت وطأة العقوبات لم يكن موقفًا عناديًا، بل قرارًا استراتيجياً مبنيًا على تجربة طويلة من التعامل مع واشنطن. فالاتفاق النووي الذي وُقِّع عام 2015 ثم انسحبت منه أمريكا في 2018 كشف – وفق رؤية طهران – أن واشنطن ليست شريكًا موثوقًا، بل تسعى إلى فرض هيمنتها بأي وسيلة ممكنة.
التوتر بين إيران والولايات المتحدة لم يكن محصورًا في العقوبات الاقتصادية أو الخلاف النووي، بل امتد إلى محاولات أمريكية مستمرة لخلق صراعات داخلية، سواء من خلال تشويه صورة النظام الإيراني، أو استهداف العلماء والنخب الإيرانية بالاغتيالات والعقوبات، وفق ما أشار إليه بزشكيان في كلمته.
إلى جانب مواجهة الضغوط الأمريكية، حافظت إيران على دورها الإقليمي الفاعل، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية هذا ما أكد عليه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال كلمته في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، أن إيران لن تتفاوض تحت التهديد والعقوبات، مشددًا على أن الثقة بأمريكا ليست قرارًا حكيمًا، بل رأي نابع من الخبرة في التعامل مع الغدر الأمريكي. وأوضح أن الشعب الإيراني، الذي أسقط نظامًا تابعًا للغرب قبل 46 عامًا، لا يزال متمسكًا بمبادئه في الاستقلال والحرية، رافضًا أي تدخل خارجي مشيرا إلى أن أمريكا تسعى لفرض أقصى الضغوط على إيران، لكنها فشلت في إخضاعها، مؤكدًا أن إيران أبرمت الاتفاق النووي بحسن نية، لكن واشنطن نقضت تعهداتها.
الرسالة الأكثر أهمية التي سعت القيادة الإيرانية إلى إيصالها خلال احتفالات الثورة، هي أن الوحدة الداخلية هي السلاح الأقوى في مواجهة كل المخططات الخارجية. وكما قال بزشكيان: "يجب على الأعداء أن يعلموا أننا لا يمكن أن نخاف من الشهادة، لأن الشهادة هي أعظم أمل لأي إنسان يسعى للعدالة في مسار النضال ضد الظلم.
رسائل الرئيس بزشكيان لم تكن موجهة فقط للداخل الإيراني، بل حملت رسالة واضحة للمقاومة في فلسطين ولبنان واليمن: إيران لن تتخلى عنكم، لأن دعم المظلوم ليس خيارًا سياسيًا، بل التزام عقائدي. وبينما يشن الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة في غزة، وبينما تحاول واشنطن فرض واقع جديد عبر صفقاتها المشبوهة، تتأكد الحقيقة مرة أخرى: محور المقاومة صامد، ويتقدم بثقة، بينما أمريكا و"إسرائيل" تغرقان في أزماتهما.
من المفارقات أن واشنطن، التي فرضت كل أشكال العقوبات على طهران، تحاول الآن دفعها إلى طاولة التفاوض مجددًا، إيران لا ترفض الحوار، لكنها تفهم قواعد اللعبة جيدًا. تعلم أن أمريكا لا تفاوض إلا عندما تفشل كل وسائل الضغط الأخرى، وأنها اليوم تجد نفسها عاجزة عن تغيير الواقع، سواء في الشرق الأوسط أو حتى داخل البيت الأبيض نفسه، حيث تتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية.
بعد 46 عامًا من الثورة، لم تعد إيران مجرد دولة ناجية من العقوبات والمؤامرات، بل دولة صانعة للمعادلات، تؤثر في مصير المنطقة، وترسم خطوط المستقبل بقراراتها المستقلة. رسالتها اليوم واضحة: الوحدة والتماسك هما مفتاح الانتصار، ولن يكون هناك تراجع أمام الضغوط الأمريكية والصهيونية.
إذا كان الهدف الأمريكي هو إسقاط النظام الإيراني، فإن الفشل كان ساحقًا. وإذا كان الهدف هو عزل طهران، فإن الواقع يظهر أنها أكثر تأثيرًا من أي وقت مضى. وبينما تواصل واشنطن خداعها السياسي، يبقى الشارع الإيراني هو صاحب القرار، وهو الذي قال كلمته مجددًا: إيران ستبقى قوية، والمقاومة مستمرة حتى تحقيق النصر.