06 شباط , 2025

الحُديدة: شريان الصمود اليمني وساحة كسر هيمنة التحالف الغربي

لطالما جسد ميناء الحديدة شريان الحياة اليمني في مواجهة العدوان، حيث بقي تحت سيطرة القوات اليمنية رغم محاولات الغرب وحلفائه فرض حصار عليه، ورغم الضغط العسكري والسياسي، أثبتت السيطرة على الحديدة قدرتها على إبقاء اليمن صامداً، مما يعكس أن الغرب لا يستطيع هزيمة اليمن دون تأمين الموانئ اليمنية.

في قلب المواجهة الجيوسياسية والعسكرية بين اليمن والغرب، تبرز الحديدة كمركز استراتيجي يُعقد المشهد ويُغير الحسابات. فمنذ بداية العدوان على اليمن، لم تكن المعارك العسكرية وحدها هي الفيصل، بل كانت السيطرة على المنافذ والموانئ عاملاً حاسماً في معادلة الحرب. واليوم، بعد سنوات من الحصار والهجمات العسكرية، يتأكد أن الغرب وحلفاءه في المنطقة عاجزون عن فرض سيطرتهم الكاملة، لأنهم لم يستطيعوا تأمين الموانئ اليمنية، وفي مقدمتها ميناء الحُديدة، الذي يُمثل شريان الحياة الرئيسي للبلاد، والمفتاح الاستراتيجي لصمود اليمن واستمرار عمليات الجيش واللجان الشعبية.

لطالما حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، عزل اليمن وإخضاعها عبر السيطرة على الموانئ اليمنية. ورغم محاولات تهريب الأسلحة والمساعدات إلى القوات العميلة التي تدعمها الرياض وأبو ظبي، فشل التحالف في تحقيق اختراق استراتيجي. كانت الحديدة دوماً عائقاً أمام خطط التحالف، حيث حوّلها الجيش واللجان الشعبية إلى قاعدة حصينة مُحكمة، تضمن استمرار تدفق الإمدادات، سواء العسكرية أو الإنسانية.

في عام 2018، جاء اتفاق ستوكهولم كمحاولة أممية لتقييد سلطة صنعاء على الميناء، لكن الواقع أثبت أن الاتفاق كان مجرد ورقة تفاوضية لإخماد معركة عسكرية كانت الإمارات تستعد لإشعالها. فشلت الأمم المتحدة في فرض أي رقابة فعلية، بينما استمرت القوات اليمنية في تعزيز نفوذها وتأمين الميناء بعيداً عن التدخلات الأجنبية.

لا يُمكن فهم إخفاق التحالف الغربي في اليمن دون التطرق إلى أهمية الموانئ في الصراع. فبينما تمكن الغرب من فرض حصار جوي وبحري واسع على البلاد، بقيت المنافذ البرية والبحرية تحت سيطرة صنعاء عاملاً حاسماً في استمرار الصمود العسكري والاقتصادي.

يُعد ميناء الحُديدة أكبر موانئ اليمن، ويستقبل معظم الشحنات التجارية والإنسانية وعلى الرغم من الحصار، استمرت صنعاء في تأمين الميناء وتحويله إلى نقطة ارتكاز أساسية، ساعدت على إبقاء البلاد متماسكة.

على مدى سنوات، حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها فرض حصار شامل على اليمن، لكنهم فشلوا في تحقيق الغايات الاستراتيجية المرجوة.

لم يؤدِّ الحصار إلا إلى زيادة قدرة اليمنيين على تطوير صناعاتهم العسكرية والاعتماد على مواردهم الداخلية.

تخلّت الإمارات عن خططها للهجوم على الحُديدة بعد عمليات  استهدفت سفنها في الخليج، ما كشف هشاشة موقفها أمام التهديدات الإقليمية فيما لم تتمكن السعودية من فرض سيطرتها الكاملة على الممرات البحرية اليمنية، مما أتاح لصنعاء فرصة لتعزيز نفوذها الاستراتيجي.

في محاولة يائسه لتصحيح فشله يدعو الغرب اليوم إلى فرض حصار بحري مُشدّد على الحديدة، ومنع وصول أي سفن إلا بعد عمليات تفتيش صارمة. لكن هذه الخطة، التي يدعو لها بعض المسؤولين الأمريكيين، ليست سوى إعادة تدوير لفشل سابق، إذ أنها تعتمد على فرضيات خاطئة، أهمها أن صنعاء ستخضع للضغوط الاقتصادية.

على عكس ما يتوقعه الغرب، فإن سقوط الحديدة لم يعد احتمال وارد. فقد ظنّ كثيرون أن صنعاء ستنهار تحت الضغط العسكري والاقتصادي، لكن السنوات الماضية أثبتت العكس. بل إن نفوذ صنعاء توسع ليشمل البحر الأحمر، وأصبحت تهديداتها أكثر تأثيرًا من أي وقت مضى.

يطرح بعض المُنظّرين فكرة دعم الحكومة العميلة في عدن بغطاء جوي أمريكي لشنّ هجوم على الحُديدة. لكن هل يجرؤ الأمريكيون حقًا على فتح هذه الجبهة؟ وهل يمكنهم تحمل ردود الفعل الإقليمية؟

من الواضح أن الحرب في اليمن تجاوزت مسألة السيطرة على الأرض، وأصبحت معركة نفوذ تُعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة. لم يعد اليمن طرفًا ضعيفًا يُحاصَر بسهولة، بل تحوّل إلى لاعب إقليمي قادر على التأثير في الأمن البحري والتجارة العالمية.

ولم تعد مسألة الموانئ مقتصرة على الحديدة وحدها، بل امتد نفوذ اليمن إلى المياه الدولية، حيث أصبحت الهجمات البحرية على السفن الغربية جزءًا من المعادلة.

إذا كانت واشنطن تتوهم أن بإمكانها تطويق اليمن دون عواقب، فإن الهجمات البحرية الأخيرة أرسلت رسالة واضحة: لا استقرار في البحر الأحمر دون حلّ سياسي عادل.

الحُديدة ليست مجرد ميناء، بل هي رمز لصمود اليمن في وجه التحالفات الدولية. وبينما يُواصل الغرب محاولاته لكسر شوكة صنعاء، يُدرك الجميع أن المعركة لن تُحسم لا بالحصار ولا بالقوة العسكرية، بل بإعادة النظر في الحسابات السياسية والاستراتيجية. اليمن اليوم ليس كما كان في 2015، والحديدة ستبقى عنوانًا لصمود يمن لا يقبل الوصاية.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen