04 شباط , 2025

جبهة الإسناد اليمنية: تأثيرات استراتيجية في قلب العدو الصهيوني وتثبيت انتصار محور المقاومة

لعبت جبهة الإسناد اليمنية دورًا حاسمًا في دعم المقاومة الفلسطينية خلال معركة "طوفان الأقصى فارضةً حصارًا بحريًا على كيان العدو الصهيوني وملحقة أضرارًا اقتصادية كبيرة بموانئه مخترقةً المنظومات الدفاعية الصهيونية، مما أدى إلى تراجع الأمن الداخلي داخل الكيان، هذه الضغوط المتزايدة كانت من العوامل الرئيسية التي أجبرت العدو على قبول وقف إطلاق النار، مما أتاح للمقاومة تعزيز موقعها وتحقيق مكاسب استراتيجية، فماذا حصدت هذه الجبهة الاسنادية من تأثيرات استراتيجة في قلب الكيان؟

سيظل الدور المفاجئ الذي لعبته جبهة الإسناد اليمنية لغزة خلال معركة "طوفان الأقصى" نقطة تحول كبيرة في مسار المعركة إذ فرضت هذه الجبهة حضورها بشكل سريع وصادم رغم تحديات الجغرافيا والإمكانات والضغوط الدولية والإقليمية. وقد تصاعدت تداعيات هذا الانخراط الإقليمي المباشر ليصل إلى مستوى الاشتباك المباشر مع الولايات المتحدة وبريطانيا في أعنف معركة بحرية، مما أسهم في تأمين انتصار المقاومة الفلسطينية بشكل غير مسبوق.

على صعيد العمليات البحرية، تمكنت القوات المسلحة اليمنية من فرض حصار غير مسبوق على كيان العدو، رغم المساحة الشاسعة التي استلزمت هذه المهمة ورغم التدخل الأمريكي والغربي الكامل لقمعها. إلا أن الحصار ثبت كواقع جديد، متسببًا في إغلاق ميناء أم الرشراش (إيلات) بالكامل، مما أدى إلى ضربة قاسية لاقتصاد العدو. فقد تراجعت واردات السيارات عبر هذا الميناء بنسبة تجاوزت 51%، علمًا بأنه كان يشكل البوابة الرئيسية لهذه الواردات، الأمر الذي انعكس على إيرادات الميناء وتسبب في تسريح معظم عماله وتحويلهم إلى ميناءي حيفا وأسدود. وقد قدرت تقارير في مايو الماضي الخسائر الإجمالية للميناء بأكثر من 3 مليارات دولار. كما أظهرت بيانات رسمية إسرائيلية أن العام الماضي لم يشهد تفريغ أي سيارة في هذا الميناء، مما أدى إلى انخفاض إجمالي واردات السيارات إلى كيان العدو بنسبة 20%.

لم تقتصر التأثيرات البحرية على ميناء إيلات، بل امتدت إلى ميناءي حيفا وأسدود، اللذين كانا يعتمدان على البحر الأحمر في 30% من حركة الحاويات. ونتيجة لمنع عبور السفن المرتبطة بـ"إسرائيل"، ارتفعت تكاليف الشحن من الشرق إلى كيان العدو إلى أربعة أضعاف، بحسب تصريحات رئيس اتحاد المصنعين في كيان العدو. كما زادت مسافة الإبحار بين الصين و"إسرائيل" بنسبة 114%، بعد اضطرار السفن إلى اتخاذ طرق بديلة حول إفريقيا، وفقًا لبنك "إسرائيل" المركزي.

وإضافة إلى ذلك، ارتفعت أقساط التأمين على السفن المرتبطة بكيان العدو إلى 2% من قيمتها، فيما امتنعت العديد من شركات التأمين عن تغطيتها بسبب المخاطر العالية التي باتت تواجهها نتيجة الهجمات اليمنية. كما امتنعت العديد من شركات الشحن العالمية عن التعامل مع موانئ العدو، خوفًا من العقوبات اليمنية، مما اضطر العدو إلى اللجوء إلى موانئ أخرى في اليونان، ثم نقل البضائع إلى موانئه على متن سفن جديدة بتكاليف إضافية. وأقر مسؤول صهيوني بأن أكثر من 40% من سفن البضائع العامة ترفض الإبحار إلى كيان العدو، مما أضاف تكاليف سنوية ضخمة على النقل البحري، بلغت بحسب التقديرات ما بين 400 مليون دولار إلى مليار دولار بالنسبة لسفن الحاويات.

لقد انعكس هذا الحصار البحري بشكل مباشر على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث أكدت وزارة الصناعة في كيان العدو أن الحصار اليمني أثر على 25% من واردات المنتجات النهائية و21% من واردات مواد الإنتاج، كما ألحق أضرارًا جسيمة بالتجارة الخارجية مع 13 دولة. وتضررت صادرات بقيمة 3.4 مليار دولار كانت تمر عبر البحر الأحمر، بينما تأثرت الواردات التي بلغت 20 مليار دولار، وفقًا لبنك "إسرائيل" المركزي. هذه التأثيرات مجتمعة أدت إلى موجات ارتفاع متكررة في أسعار السلع داخل كيان العدو، شملت المواد الغذائية والإلكترونيات وحتى اللحوم المستوردة التي تأخرت شحناتها بسبب الحصار، ما تسبب في إصابة المواشي بأمراض نتيجة بقائها في السفن لأشهر.

أما على الصعيد العسكري، فقد تداخلت تأثيرات الحصار البحري مع الضربات الصاروخية والجوية المباشرة على كيان العدو، مما جعل الجبهة اليمنية تتحول بسرعة من "مصدر إزعاج" إلى "تهديد استراتيجي"، بحسب إعلام العدو. فقد شكلت الضربات الصاروخية والجوية المباشرة على أم الرشراش في بداية الحرب ضربة قوية للمنظومة الأمنية الصهيونية، خاصة بعد أن قام العدو بنقل عدد كبير من المستوطنين الهاربين من جنوب لبنان و"غلاف غزة" إليها باعتبارها آمنة. غير أن استمرار الضربات دفع المستوطنين إلى التشكيك في قدرة سلطات الاحتلال على حمايتهم، وهو ما انعكس في احتجاجاتهم وانتقاداتهم الحادة للحكومة.

لم تقتصر التأثيرات العسكرية على الجانب الأمني فحسب، بل طالت السياحة في المدينة المحتلة، حيث كانت أم الرشراش وجهة سياحية بارزة، لكن الهجمات اليمنية قتلت النشاط السياحي فيها، ما عمق الركود الاقتصادي داخلها، خاصة مع إغلاق الميناء وتراجع الحركة التجارية. وإلى جانب ذلك، تسببت الضربات الصاروخية والجوية في خسائر مباشرة للبنية التحتية في كيان العدو، رغم محاولاته التكتم عليها. ومع ذلك، اعترف رئيس بلدية "رامات غان" في يافا بأن إحدى الضربات الصاروخية اليمنية ألحقت أضرارًا تجاوزت تكلفتها 11 مليون دولار.

ومع تصاعد وتيرة الضربات، واجه العدو صعوبات متزايدة، منها منع عودة شركات الطيران الأجنبية إلى العمل في كيان العدو، مما تسبب في خسائر بلغت 28.5 مليون دولار وفق تقارير متحفظة. كما تسببت الهجمات المتكررة في انخفاضات متكررة في أسهم بورصة "تل أبيب" وتراجع قيمة الشيكل، ما عزز تأثير الضغوط الاقتصادية. وكان الأثر الأهم على منظومة الدفاع الصهيونية، حيث تمكنت الضربات اليمنية من اختراقها مرارًا، ما مثّل سقوطًا مدويًا لاستراتيجية الدفاع التي تعد عنصرًا جوهريًا في الأمن القومي الإسرائيلي.

كل هذه العوامل دفعت العدو نحو قبول وقف إطلاق النار، إذ كان حضور الجبهة اليمنية أحد العوامل الرئيسية في فرض معادلة "منع الاستفراد بغزة"، مما جعل العدو يعود إلى مواجهة نفس الضغوط التي كان يحاول التخلص منها في جنوب لبنان. ولم يكن التأثير مقتصرًا على الاقتصاد والأمن فقط، بل امتد إلى المزاج العام داخل الكيان، حيث عبر الإعلام العبري عن حالة إحباط واسعة شملت المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي وحتى الجماهيري، نتيجة فشل العدو في التصدي للضربات اليمنية.

ومع تفاقم الأزمة، واجه العدو مشكلة أخرى تتعلق بتكاليف الذخائر الاعتراضية، حيث تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد من منظومة "السهم 3" أكثر من 4 ملايين دولار، مما اضطر العدو إلى التزود بكميات جديدة وإدخال منظومة "ثاد" الأمريكية، التي فشلت بدورها أمام صواريخ "فلسطين 2" اليمنية. أما عمليات العدوان الإسرائيلي المباشر على اليمن، فقد كانت مكلفة للغاية بسبب بعد المسافة، ولم تحقق أي إنجاز يُذكر، ما أضاف إلى قائمة خسائر العدو المتراكمة.

بهذه الصورة، يتضح أن جبهة الإسناد اليمنية لم تكن مجرد عامل مساعد في المعركة، بل أصبحت عنصرًا استراتيجيًا حاسمًا أسهم بشكل مباشر في تغيير المعادلة، وفرض واقع جديد يعزز حضور المقاومة في المنطقة ويعيد رسم توازنات المعركة لصالح محور المقاومة.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen