04 شباط , 2025

العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان... إرادة لا تُقهر وجذور ثابتة في الأرض

في الجنوب اللبناني، حيث تُكتب كل زاوية بحروف من صبر وعزيمة، لا يمكن للعدوان أن يمحو تاريخًا طويلًا من التضحيات والبطولات. هنا، حيث دماء الشهداء تروي حكاية الصمود، تظل الأرض أقوى من أي آلة حرب، ورغم الدمار الذي خلفته التفجيرات الإسرائيلية، لا شيء يمكن أن يُطفئ شغف العودة والحياة في قلوب أهالي هذه الأرض الطاهرة الذين أثبتوا، في كل لحظة، أن الصمود لا يقتصر على بقاء الأجساد، بل على قوة الإرادة التي لا تنهار مهما كانت الظروف. هذه الأرض، التي حملت أجيالاً من الأبطال، ستظل ثابتة في وجه كل محتل، موقنة بأن الحياة ستعود، والكرامة ستبقى.

في الجنوب اللبناني، حيث يلتقي عبق الأرض بدماء الشهداء، وتتناثر رياح العز على جبالها وتلالها، لا يزال صوت المقاومة يصدح بكل قوة في وجه الاحتلال. تلك الأرض، التي لم تكسرها آلة الحرب الإسرائيلية، بل أنبتت فيها أشجار الصمود وأزهار الأمل، تعود لتروي حكاية جديدة من البطولة والتحدي. هنا، حيث كانت التفجيرات القاتلة والأرض تشتعل تحت أقدام المحتلين، لا مكان للهزيمة. بلدة تلو الأخرى، رغم ما لحق بها من دمار، تبقى شامخة، لا تنحني ولا تستسلم. أهالي الجنوب، الذين استنشقوا رائحة العدوان في كل زاوية من ديارهم، يثبتون في كل لحظة أن الأرض هي عرضهم، وأن العودة إليها هي وعد لا يمكن أن يتخلى عنه أحد. في هذه اللحظات العصيبة، لا تقتصر المعركة على إعادة بناء المنازل، بل هي معركة كرامة وإرادة؛ معركة لن تستمر فيها إلا الحياة، مهما كانت الأثمان.

في ساعات الفجر الأولى من 3 فبراير 2025، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي جريمة جديدة في حق أهل الجنوب اللبناني، عندما نفذ تفجيرات ضخمة في بلدة بليدا، محاولًا إحداث فجوة بين الإنسان وأرضه، في مسعى لاستمرار هيمنته على هذا الجزء العزيز من لبنان. ولكن على الرغم من قوة العدوان وحجم التدمير، تأبى هذه الأرض إلا أن تنبض بالحياة، فكانت إرادة الناس أقوى من كل أسلحة الاحتلال.

بلدة بليدا، التي نالت نصيبًا وفيرًا من الدمار، لم تكن مجرد نقطة جغرافية، بل كانت رمزًا للصمود والنضال. دبابات الاحتلال وجرافاته اجتاحت البلدة، فجرفت المنازل، دمرت المساجد والمدارس، وأحرقت كل شيء أمامها، مستهدفة الحياة البشرية والعمران على حد سواء. ولكن كانت المفاجأة الكبرى، أن هذا الهجوم لم يُسقط من عزيمة أهلها، بل زادهم إصرارًا على البقاء في أرضهم مهما بلغت التضحيات. فما إن توقفت المدافع وهدأت الطائرات، حتى بدأت القرى الجنوبية، ومن ضمنها بليدا، تشهد عودة لا مثيل لها لأهلها، الذين تحدوا كل المعوقات، فهبّوا إلى بيوتهم المدمرة يحملون بين يديهم إرادة الحياة

في بلدة بني حيان المجاورة، كان المشهد نفسه: الدمار يلف المنازل، والأبنية مهدمة، والأرض تحترق تحت ضربات الاحتلال. لكن أبطال هذه البلدة، الذين نزلوا بكل شجاعة على أنقاض منازلهم، أبوا إلا أن يعيدوا الحياة إلى المكان. حتى في ظل تهديد الطائرات الإسرائيلية، ورغم فقدان مقومات الحياة الأساسية من كهرباء وماء، عادوا ليزرعوا الأمل في كل زاوية من بلدتهم، متعهدين بأنهم سيعودون، مهما طال الزمن، لأن الأرض هي جزء منهم ولن يتخلوا عنها.

وفي بلدة عيترون، التي تعرضت لعدة ضربات، كانت العودة أكبر من مجرد العودة إلى منازلهم؛ كانت بمثابة انتصار للكرامة. الشباب والشيوخ، الرجال والنساء، تحركوا بعزيمة لا تلين إلى قلب البلدة المحررة، ليجدوا أمامهم فريقًا من الكشافة التطوعية، التي انطلقت منذ الأيام الأولى من العودة، لتقديم يد العون للأهالي في إزالة آثار العدوان، وتقديم الإغاثة لكل من تضرر من جراء الهجمات الوحشية.

انطلقت حملة الكشافة التطوعية من قلب مدينة بنت جبيل، بحضور مئات المتطوعين الذين جاؤوا من كل الزوايا للمساهمة في إعادة بناء القرى الحدودية، وحملوا على عاتقهم مسؤولية كبيرة في معالجة آثار العدوان. ومع بداية العمل في بلدة عيترون، بدأت مساعدات عاجلة تصل إلى الأهالي: المياه والطعام، الملابس والدواء، إضافة إلى فرق مختصة لإزالة الأنقاض. وفي كل زاوية من البلدة كان هناك شخص يحمل الأمل بيد، والعمل اليدوي في الأخرى.

اليوم، تحت سماء الجنوب اللبناني، التي تحجبها الغيوم الثقيلة الناتجة عن التفجيرات، تبقى هذه الأرض مُصرة على المقاومة. هي ليست مجرد قطع من التراب، بل هي قلب ينبض بشجاعة وصمود، يحاول الاحتلال الإسرائيلي، منذ سنوات، تدميره، لكنه لا يزال يفشل في النيل من إرادة أبنائها. من رأس الناقورة إلى العرقوب، يواصل الجنوبيون معركة الإصرار على الوجود، ويبقى حلم العودة والإعمار حاضرًا بقوة في قلوبهم.

هذه الأرض، التي لا يصدقها من لم يعرف تفاصيل حياتها، هي اليوم حكاية صمود لا يعرف الانكسار. بلدة بليدا، بني حيان، عيترون، وغيرها من البلدات الجنوبية، تأبى أن تتحول إلى ذكريات منسية. هذه الأماكن تروي كل يوم حكاية جديدة عن مقاومة الاحتلال، وتبقى مفتوحة لكل من يرفض الاستسلام، وكل من ينتمي للأرض ولن يُهزم مهما كانت التحديات.

في تلك اللحظات، حين يعيد الجنوبيون بناء حياتهم من بين الركام، تصدح أصواتهم: "نعود... مهما طال الزمن، ومهما كان الثمن، نحن باقون في أرضنا، والأمل لا يموت."

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen