28 كانون الثاني , 2025

من غزة إلى جنوب لبنان حيث يكتب التاريخ بالدم والمقاومة

في مشهد يختلط فيه الأمل بالدماء، والصمود بالدموع، يعود النازحون من جنوب قطاع غزة إلى الشمال، وأهالي القرى الحدودية في جنوب لبنان إلى ديارهم، متحدين آلة الاحتلال العسكرية، رافعين راية الحق في العودة مهما كانت التضحيات. هذا المشهد لا يُجسد فقط تحدي الأرض للاحتلال، بل هو نداء شعبي عميق يُحفر في ذاكرة التاريخ، بأن الأرض ستظل ثابتة في وجدان أبناءها، لا يزعزعها تهجير ولا تهديد. إن العودة ليست مجرد حركة جغرافية، بل هي معركة متواصلة تُثبت أن المقاومة، مهما طال الزمن، ستظل طريقاً مفتوحاً إلى الحرية والكرامة.

في مشهد مليء بالإصرار والمقاومة، اجتمع آلاف النازحين من قطاع غزة وجنوب لبنان، متحدين الظروف القاسية، لاستعادة أرضهم التي اغتصبها الاحتلال. هذا المشهد الفريد، الذي يعكس تضحيات لا حصر لها وصموداً استثنائياً، يأتي ليؤكد على حقيقة واحدة: الأرض لا تعود إلا بأبناء الأرض، ولا يوقف العودة إليها إلا الموت.

في قطاع غزة، بدأت حركة العودة صباح يوم الإثنين، حيث مرَّ آلاف النازحين في سياراتهم، أو مشياً على الأقدام، عبر حاجز "نتساريم" العسكري إلى محافظتي غزة والشمال. بعد أكثر من 15 شهراً من التهجير القسري، الذي تم بضغط الاحتلال، عاد هؤلاء الأبطال إلى ديارهم رغماً عن الظروف الأمنية الصعبة. على طول طريق صلاح الدين، اصطفَّت مئات المركبات منتظرةً بفارغ الصبر عبور الحاجز، في مشهد يكتنفه الألم والظلم، لكنه أيضاً يحمل رمزية قوية على تحدي هذا الشعب للاستسلام.

كان التفتيش الأمني أحد أبرز العقبات التي واجهها هؤلاء العائدون، حيث كان الاحتلال يفتش المركبات عبر جهاز الأشعة السينية، إلا أن روح المقاومة والإرادة القوية للشعب الفلسطيني كانت أقوى من كل الحواجز التي وضعها الاحتلال. هذا اليوم، كان بمثابة انتصار صغير، لكنه ذو دلالة عميقة على أن الشعب الفلسطيني لن يرضخ أبداً للتهجير، وأن النضال من أجل العودة هو مسار لا يمكن تجاوزه.

وفي جنوب لبنان، كان المشهد موازياً، حيث بدأ أهل القرى الحدودية في العودة إلى بلدانهم، متحدين الاحتلال الذي حاول، عبر القصف والتهديدات، فرض الترحيل عليهم. في بلدة ميس الجبل، على سبيل المثال، حاول الاحتلال منع المواطنين من العودة إلى منازلهم باستخدام الرصاص والقنابل الصوتية. لكن، على الرغم من ذلك، أكّد الأهالي في ميس الجبل أنهم لن يتراجعوا عن قرارهم في العودة، وأنهم مستعدون للقتال بكل غالٍ ونفيس لإثبات حقهم في الأرض.

الاحتلال الإسرائيلي أطلق النار في محاولة لردع الأهالي، ولكنهم كانوا مصممين على العودة إلى ديارهم. في بلدة عديسة، استشهد أحد المواطنين وأصيب آخرون، لكن ذلك لم يكن سوى تأكيد آخر على إصرار هذا الشعب على استعادة أرضه، مهما كانت التضحيات. كما أكّدت وزارة الصحة في لبنان وقوع إصابات بين المدنيين، بما في ذلك إصابة طفل حالته حرجة، وهو ما يظهر حجم المعاناة التي يعيشها الشعب اللبناني في مواجهة العدوان المستمر.

وفي هذه اللحظات الحاسمة، لا يمكن فصل القتال على الأرض عن العمل المقاوم في كل من غزة ولبنان. ففي غزة، أكد عبد اللطيف القانوع، الناطق باسم حركة حماس، أن "مشهد الصمود والانتصار" هو ما يميز هذه المرحلة، وأوضح أن سياسة التهجير "سقطت أمام الصمود الأسطوري" لشعب غزة ووحدة مقاومته. وحدد القانوع أن المطلوب الآن هو تعزيز مقدرات صمود أهل غزة لمواجهة سياسة الاحتلال التوسعية.

في لبنان، دعم المقاومة في مواجهة الاحتلال كان له دور أساسي في تحدي هذا الواقع، كما أكد النائب حسن فضل الله عضو كتلة الوفاء للمقاومة، الذي شدد على أن "شعبنا لن يتراجع"، وأن الأبطال في الجنوب اللبناني، الذين عادوا إلى قراهم، لن يرضوا إلا بتحرير الأرض. هذا الموقف يعكس وحدة القضايا بين الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، في معركة لا تنتهي من أجل الحرية والكرامة.

على الرغم من القصف والتهديدات، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها هؤلاء النازحون، فإن العودة إلى الأرض تظل القضية الجوهرية. هذا المشهد، الذي يبدأ من جنوب لبنان ويصل إلى شمال غزة، هو في الواقع نداء قوي للعالم كله بأن الشعبين الفلسطيني واللبناني لن يرضيا إلا بالعودة إلى ديارهم. لقد أثبتوا أن الأرض لا تعود إلا بإرادة أبنائها، وأن الاحتلال لا يمكنه أن يقف في وجه هذا الصمود العظيم. هذا المشهد هو شهادة جديدة على أن المقاومة، بكافة أشكالها، هي السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق والأراضي المغتصبة، مهما طال الزمن.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen