26 كانون الثاني , 2025

الاحتلال يواصل عدوانه على جنين: شهداء ودمار واسع وصمود فلسطيني في وجه الحصار

في خضم عدوان إسرائيلي شرس، تعيش جنين ومخيمها فصولًا جديدة من الصمود والمقاومة، حيث تشهد المنطقة حملة عسكرية واسعة أسفرت عن سقوط شهداء وتهجير آلاف السكان وسط تدمير منهجي للمنازل والبنية التحتية. ورغم الحصار، تبرز "كتيبة جنين" كرمز للمقاومة المنظمة التي كبّدت الاحتلال خسائر في صفوف جنوده لتسطر فصلا جديدا من الصمود في وجه الاحتلال.

في جنين، حيث تتعانق الأرض مع سماء مقاومة لا تعرف الانكسار، وحيث تتحول الأزقة الضيقة إلى ميادين معارك تروي حكايات شعب لا يقبل الرحيل، تُكتب فصول ملحمة جديدة. هنا، في هذه البقعة الصغيرة من الوطن الكبير، لا يتوقف التاريخ عن التمرد، ولا تهدأ روح المقاومة، حتى في وجه أعنف آلات البطش. إنها جنين، أيقونة الصمود الفلسطيني، التي تقف بكل شموخ في مواجهة جرافات الاحتلال وصواريخه، لتثبت للعالم أن القوة الحقيقية ليست في السلاح، بل في الإيمان العميق بالحق، وفي نبض الأرض الذي لا ينضب رغم الحصار والدمار.

جنين، المدينة التي تحمل بين جنباتها تاريخًا طويلًا من الصمود، تشهد مرة أخرى فصولًا جديدة من العدوان الإسرائيلي الذي لم يترك صغيرًا أو كبيرًا، منزلًا أو شجرة إلا وترك بصمته القاتلة عليها.

حيث استشهدت طفلة لا يتجاوز عمرها العامين إثر إصابتها برصاصة غادرة في الرأس في قرية مثلث الشهداء جنوبي جنين، فيما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن العدوان الإسرائيلي خلّف حتى الآن 14 شهيدًا وأكثر من 50 مصابًا. منازل تُفجر وأحياء تُحرق، بينما يُجبر الآلاف على النزوح، تاركين وراءهم ذكريات وبيوتًا تنبض بالحنين، ليصبحوا بلا مأوى سوى السماء التي تراقب نزيفهم بصمت.

على الجانب الآخر من المشهد، تقف المقاومة الفلسطينية بكل شموخ، تعيد رسم ملامح الصمود رغم المعاناة. "كتيبة جنين"، التابعة لسرايا القدس، أظهرت أن إرادة الشعب الفلسطيني أقوى من آلة الحرب الإسرائيلية، حيث أعلنت الكتيبة تحقيق إصابات مؤكدة في صفوف جيش الاحتلال عبر عبوات موجهة واشتباكات عنيفة في محور الدمج.

في العملية العسكرية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على جنين ومخيمها، تكبّد جيش الاحتلال خسائر واضحة رغم تفوقه العسكري، إذ أصيب 3 من جنود وحدة "إيغوز" التابعة للكوماندوز الإسرائيلي، أحدهم بجروح خطيرة، خلال الاشتباكات في محور الدمج.

كما أعلنت "كتيبة جنين" عن تحقيق إصابات مباشرة في صفوف قوات الاحتلال عبر استهدافها بعبوات موجهة من نوع "سجيل" ووابل من الرصاص. هذه الخسائر تأتي في سياق اعتراف جيش الاحتلال بأن عدد مصابيه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد تجاوز 5,659 جنديًا، بينهم 838 إصابة خطيرة، مما يعكس التحدي الذي تواجهه إسرائيل في حملتها العسكرية على الأراضي الفلسطينية.

لم يكن المشهد الدموي محصورًا بجنين وحدها؛ ففي مخيم بلاطة بمدينة نابلس، استشهد شاب فلسطيني بنيران الاحتلال، بينما شهدت بلدة بيت أُمر شمال الخليل مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال، التي اقتحمت البلدة مدعومة بجرافات عسكرية.

وسط هذا المشهد، لا يمكن اختزال الألم الفلسطيني في الأرقام فقط. كل شهيد يحمل اسمًا، وكل منزل مدمّر يحتضن ذاكرة أجيال، وكل طفل نزح من المخيم يخطو أولى خطواته في عالم بات يفتقد للأمان. إنها ملحمة إنسانية تُعيد التذكير بأن هذا الشعب، رغم الجراح، يواصل النهوض من تحت الركام ليقول للعالم: "هنا نبقى، وهنا نقاوم".

العدوان الإسرائيلي على جنين يعكس خطة ممنهجة لتحقيق أهداف متشعبة، أبرزها تفكيك بنية المقاومة المسلحة مثل "كتيبة جنين"، وفرض السيطرة الأمنية عبر القمع والتهجير القسري للسكان لتفريغ المنطقة من الفلسطينيين. كذلك، يسعى الاحتلال لتحقيق مكاسب سياسية داخلية لحكومة نتنياهو المتأزمة، مستغلًا التصعيد العسكري لتعزيز شعبيته بين القاعدة اليمينية. ومع ذلك، تظهر العملية فشل إسرائيل في كسر إرادة المقاومة التي باتت أكثر تنظيمًا وتأثيرًا.

رغم العنف والحصار، قدمت جنين نموذجًا للصمود والتلاحم الوطني. المقاومة الفلسطينية في المخيم أثبتت تنظيمها وقدرتها على تكبيد الاحتلال خسائر واضحة، بينما شكّل الدعم الشعبي والمشاركة المدنية قوة إضافية للمواجهة. هذه المعركة كشفت عمق الأزمة الإنسانية مع استمرار النزوح والدمار، وسلطت الضوء على الصمت الدولي تجاه الجرائم الإسرائيلية. في المقابل، أكد صمود جنين أن الاحتلال يواجه تحديًا استراتيجيًا طويل الأمد في التعامل مع مقاومة تتطور وتتصاعد.

وأمام صمت العالم وتواطؤه أحيانًا، يبقى الشعب الفلسطيني هو الصوت الصارخ في وجه الظلم. جنين، بأطفالها ونسائها ورجالها، تُقدّم درسًا للعالم عن معنى الكرامة الوطنية، عن شعب يواجه القتل بالثبات، والحصار بالابتكار، والموت بالحياة. إنها جنين، ملحمة لا تنتهي.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen