جنين تحت النار: ملحمة الصمود أمام آلة الإبادة الإسرائيلية
في جنين، تُكتب فصول جديدة من ملحمة الصمود، حيث يتحول المخيم إلى قلعة، وأزقته إلى خنادق، وأطفاله إلى شهود على جريمة مستمرة منذ عقود، في هذه المساحة الصغيرة، تحاول إسرائيل كسر إرادة شعب، لكنها تواجه جدارًا من العزيمة أقوى من أي "سور حديدي" تزعم بناؤه. وامام آلة الاحتلال يقف ابناء جنين ليرون قصة مقاومة تنبض بالحياة رغم الجرائم المحيطة بها.
وسط أجواء مشحونة بالمجازر والتهجير القسري، تسعى إسرائيل لتثبيت استراتيجية تعتمد على القوة المفرطة والدمار الشامل، في محاولة يائسة لإخماد روح المقاومة الفلسطينية. ما يحدث في جنين اليوم ليس مجرد عملية عسكرية، بل هو استمرار لسلسلة طويلة من جرائم الحرب والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان.
في الأيام الماضية، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن إطلاق عملية "السور الحديدي" في مخيم جنين، عنوان يبدو بريئاً لكنه يخفي وراءه نوايا إجرامية واضحة. التصريحات المتعاقبة من المسؤولين الإسرائيليين، مثل قائد سلاح البر الأسبق يفتاح رون-تال، كشفت عن نية الاحتلال تسوية المخيم بالأرض، كما حدث في عملية "السور الواقي" عام 2002. هذه الدعوات التي تحرض على الإبادة تعبر بوضوح عن العقلية الإجرامية التي تحكم الاحتلال، والتي ترى في التدمير والقتل وسيلة لتحقيق أهدافها.
يتكرر في جنين سيناريو غزة، حيث يحاول الاحتلال تدمير كل مظهر للحياة، وتحويل المدن والمخيمات الفلسطينية إلى مساحات قاحلة بلا بشر. تهجير الفلسطينيين من منازلهم قسراً، كما حدث في "المنطقة الهدف"، ليس إلا جزءاً من خطة شاملة لتفريغ الأرض الفلسطينية. مخيم جنين، الذي يعتبر رمزاً للصمود والمقاومة، يقف اليوم أمام واحدة من أشد الحملات العسكرية التي تهدف لاقتلاعه من جذوره.
ورغم كل المحاولات لإخماد نيران المقاومة، أثبت الفلسطينيون أن إرادة الشعوب لا تُقهر. فجنين ليست مجرد مدينة، بل هي رمز للصمود والتحدي. العمليات المتكررة والدمار المستمر لم ينالا من عزيمة الفلسطينيين، بل عززا من إرادتهم في مواجهة المحتل بكل الوسائل الممكنة.
على الجانب الآخر، تبدو إسرائيل اليوم غارقة في أزمات داخلية غير مسبوقة. تصريحات موشيه يعالون، وزير الدفاع الأسبق، تكشف حجم التصدعات داخل النظام السياسي الإسرائيلي. حكومة متطرفة، بقيادة شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، تجر الدولة العبرية نحو مزيد من العزلة والفوضى. الانقسام حول طريقة التعامل مع المقاومة الفلسطينية يعكس عمق الأزمة، خاصة في ظل فشل العمليات العسكرية في تحقيق أهدافها.
الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على استراتيجيات تقليدية تستند إلى القوة المفرطة والدمار الشامل لتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية. تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، مثل دعوة يفتاح رون-تال لتسوية المخيم بالأرض، تكشف عن توجهات الإبادة والتهجير القسري كأسلوب لحسم الصراع.
الهدف الإسرائيلي منها القضاء على البنية التحتية للمقاومة في الضفة الغربية، خاصة في جنين التي تعتبر أحد معاقل المقاومة هذه الاستراتيجية أثبتت فشلها على المدى الطويل، إذ تعزز من غضب الشعب الفلسطيني وتزيد من عزيمة المقاومة.
إن ما يحدث في جنين هو اختبار جديد للمجتمع الدولي ومصداقيته. الصمت العالمي أمام هذه الجرائم يفاقم من معاناة الفلسطينيين، لكنه في الوقت ذاته يعزز من قناعة الشعوب الحرة بعدالة القضية الفلسطينية. المقاومة ليست خياراً بل ضرورة، وجنين ستبقى شوكة في حلق الاحتلال، ورمزاً للحرية والكرامة.
مخيم جنين، بكل ما يحمله من آلام وصمود، يمثل الحقيقة الصارخة: الاحتلال الإسرائيلي هو عدو الإنسانية. وما المقاومة إلا انعكاس لحق مشروع في وجه آلة القتل والدمار.