أبو عبيدة في خطاب النصر.. المقاومة بلغة البلاغة من قلب المعركة
في لحظة فارقة من تاريخ المقاومة، أطل أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، ليحمل صوته أصداء النصر ومعاني الثبات. بكلمات جمعت بين قوة البلاغة ووهج المعركة، جاء خطابه ليجسد وحدة الكلمة والبندقية في معادلة الصراع، ويبعث برسائل عميقة إلى الداخل والخارج. فما بين سطور الخطاب ونبض الميدان، تتجلى صورة المقاومة في أبهى تجلياتها، مؤكدة أن الكلمة، حين تنطلق من قلب المعركة، تصبح سلاحًا لا يقل حدة عن الرصاصة.
بعد 471 يوما من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، يخرج الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، بعد سريان اتفاق الهدنة ليلقي كلمة تلخيصية يُجمل فيها تأثيرات طوفان الأقصى على إسرائيل أولا وعلى الإقليم والعالم من ورائه.
وبعد كل تلك المدة، وحجم الدمار الهائل الذي قتل البشر، ودمر الحجر والشجر، خرج أبو عبيدة وكأنه في أيام المعركة الأولى، مسنودا بصور ولقطات سبقت خروجه من خروج مقاتلي فصائل المقاومة لشوارع القطاع والتفاف الجماهير حولهم.
المفارقة، أن الترقب لخطابات أبو عبيدة لم يخفت بريقه طوال المعركة، وكان لحديثه الأثر ذاته الذي اعتاد أن يتركه في مستمعيه منذ بداية الحرب كما يمكن لأي متابع أن يلحظ أصداء ما يقوله في حجم الترقب الشعبي والتفاعلات على مواقع التواصل.
ويبقى السؤال القديم المتجدد، هو كيف استطاعت أيقونة أبي عبيدة أن تظل راسخة وقادرة على التأثير إلى هذا الحد حتى بعد كل هذا الدمار الذي تسببت فيه آلة الإبادة الصهيونية؟
وفي عصر يلهث فيه الجميع وراء الشهرة، جاءت النجومية الكاملة إلى ذلك الرجل المُلثَّم، الذي أصبحت شعبيته مع بداية الحرب من دون منافس بطول العالم العربي كله، رغم أن حدا لا يعرف وجهه الحقيقي وربما لن يعرفه أبدا، باستثناء أفراد قليلين من قادة المقاومة في غزة.
رأت الشعوب العربية مع اندلاع الحرب في أبي عبيدة ناطقا باسمها هي أيضا، إذ صعد نجم الرجل حتى صار انتظار خطاباته طقسا أساسيا في البلاد العربية، مع ارتباط عاطفي واضح به، تحوَّل معه إلى الأيقونة الأشهر للحرب منذ بدايتها.
أصبح واضحا أن أبا عبيدة صار رمزا معبرا عن صوت المقاومة لم تكسره قوة تفجيرية تجاوزت ثلاث قنابل نووية، ولا يزال قادرا حتى بعد كل تلك التضحيات والليالي الحالكة على حشد اهتمام العالم العربي.
وفي خطاب لامس القلوب وأوقد جذوة التضامن، وجّه أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، رسائل مليئة بالدلالات إلى اليمن ولبنان، مؤكّدًا وحدة المصير والقضية بين شعوب محور المقاومة. كلماته حملت إشارات الدعم والاعتزاز بمواقف الأطراف التي تقف بثبات إلى جانب القضية الفلسطينية.
اذا هو رأس حربة الحرب النفسية على جيش الاحتلال، يعمل دائما في خطاباته على تثقيف موضوعي بمجريات المعركة، ورسائل بلاغية دقيقة الصياغة للأطراف المختلفة، ولا تخلو كلماته أيضا من الرسائل ذات الطابع الساخر، وأشهرها حين قال: إلى زعماء وحكام أمتنا العربية، نقول لكم من قلب المعركة التي تشاهدون ولا شك تفاصيلها عبر شاشاتكم، إننا لا نطالبكم بالتحرُّك لتدافعوا عن أطفال العروبة والإسلام في غزة من خلال تحريك جيوشكم ودباباتكم لا سمح الله.