10 كانون الثاني , 2025

غزة: حيث تُمحى العائلات من السجلات وتُدفن الإنسانية تحت ركام الحرب

في مشهد مروع يختزل معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، تواصل آلة الحرب الإسرائيلية ارتكاب جريمة إبادة جماعية لم يسبق لها مثيل، عائلات بأكملها تم محوها من الوجود، وشوارع كانت تعجّ بقاطنيها أصبحت اليوم مقابر جماعية تروي قصصًا من الألم والمعاناة، أطفال، نساء، فتية وشيوخ شهداء، ليسوا مجرد أرقام في تقرير، بل هي أرواح بريئة زُهقت بلا سبب سوى أن أهلها عاشوا في أرض لا يحتمل الاحتلال صمود ابناءها ولا بسالة مقاوميها.

في غزة، لا صوت يعلو فوق صوت القصف، ولا وجه يختفي من ذاكرة الألم. في كل زاوية، هناك من يصرخ تحت الأنقاض، هناك طفل يبحث عن أمه التي فقدها في لحظة. هناك دماء تغطي الأرض، وهناك وجوه حُفرت في الذاكرة ولن تُمحى. عائلات بأكملها، بكل حبها وآمالها وأحلامها الصغيرة، تم محوها من الوجود بيد الاحتلال الإسرائيلي، بلا رحمة أو شفقة. 1600 عائلة كانت تشارك الحياة بكل تفاصيلها، تم مسحها من السجل المدني، تركت وراءها أثراً من الجثث التي لا تكاد تميزها، بعضها ملقى على الأرض، وبعضها تحت الركام، لا أحد يعرف من هم، ولكنهم كانوا بشرًا أحبوا الارض حتى ذابوا فيها..

في جريمة إبادة جماعية مروعة تُضاف إلى سلسلة الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، يعاني الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من مأساة استثنائية، حيث أبيدت 1600 عائلة فلسطينية بالكامل خلال الهجوم المستمر الذي دام 15 شهراً. ووفقًا لتقرير نشره المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن هذه العائلات قد محيت من السجل المدني بعد قتل جميع أفرادها، بمن فيهم الأطفال والنساء، ليصل العدد الإجمالي للشهداء من هذه العائلات إلى 5,612 شهيدًا.

تقرير الكتب الاعلاني الحكومي في غزة تطرق إلى حجم هذه الجريمة التي ترتكبها إسرائيل تحت حماية الدعم الأمريكي، ويؤكد على أن 3,471 عائلة أخرى قد تم تدميرها إلى حدّ كبير، مع بقاء فرد واحد فقط من تلك العائلات التي بلغ عدد شهدائها 9,000 شهيد. هذا يدل على التدمير الكامل والتصفية المتعمدة لأبناء الشعب الفلسطيني في غزة، وهو أمر لم تشهد له الإنسانية مثيلاً في العصر الحديث.

لم يكن هذا العدوان الإسرائيلي ضد غزة عملية عسكرية كما يزعم كذبا  بل كان بمثابة طوفان إبادة جماعية شملت كل جوانب الحياة: من قتل المدنيين العزل إلى تدمير البيوت والمنازل، مما تسبب في تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين أصبحوا لاجئين داخل وطنهم. عائلات بأكملها دُمرت، وآمال حٌققت، وأحلام رُكّزت على أساس الحلم في العودة، تم محوها من الوجود.

أرقام الشهداء لا تعكس فقط عدد الأرواح التي فقدت، بل تعكس أيضًا آلامًا ومعاناة هائلة تكبّدها أطفال فلسطينيون صغار ونساء شابات ومسنين. الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه، بينما تحاصر غزة وتعاني من نقص حاد في المواد الغذائية والمستلزمات الطبية، وسط تدمير كامل للبنية التحتية. الصواريخ التي تسقط على رؤوس الفلسطينيين لا تفرق بين صغير وكبير، ولا بين سيدة أو رجل، بل تهدف إلى إبادة أي بادرة حياة.

هذا العدوان الوحشي لم يكن ليكتمل لولا الدعم الغربي، وخاصة الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل. وفي الوقت الذي يسعى المجتمع الدولي إلى إدانة الجرائم التي تُرتكب، فإن المواقف الأوروبية تظل غير كافية في مواجهة هذه الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان. دول كالمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا تُواصل تسليح الاحتلال الإسرائيلي، مما يعكس تواطؤًا واضحًا في جريمة الإبادة الجماعية المستمرة.

نعم، هناك مذكرة اعتقال ضد كبار القادة الإسرائيليين، مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، صدرت عن المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولكن لم يتم اتخاذ أي خطوة فعلية تجاه محاكمة هؤلاء المسؤولين عن هذه المجازر المروعة.

هذه ليس مجرد أرقام مروعة، بل هو نداء إنساني عاجل للمجتمع الدولي للوقوف في وجه هذا الطوفان الدموي، ليُقابل بحزمة من القرارات التي تؤكد على ضرورة محاكمة هؤلاء المجرمين في محاكم دولية. يجب على جميع الهيئات الدولية والأممية ممارسة ضغط حقيقي على الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي لوقف هذه الحرب المدمرة التي لا تميز بين طفل وشيخ.

منظمة حقوق الإنسان، الأمم المتحدة، ومؤسسات المجتمع المدني في العالم مطالبة اليوم بأن تأخذ خطوات حاسمة لضمان حق الفلسطينيين في الحياة والحماية من الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحقهم بشكل يومي.

إن الإبادة الجماعية في غزة هي واحدة من أكثر الجرائم المروعة في القرن الحادي والعشرين، وهي تستدعي من الجميع اتخاذ موقف شجاع وصارم ضد هذا التدمير الممنهج. إن الدماء الفلسطينية التي سالت على الأرض الفلسطينية لن تُنسى، وتظل هذه المأساة شاهدة على تواطؤ العالم في مواجهة تلك الجرائم الإنسانية. على الرغم من الظلام الذي يخيم على غزة، إلا أن شعبها يبقى حيًا في الذاكرة العالمية، ولن يُمحى اسمها من كتب التاريخ.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen