غزة 2024: حصاد عام من الإبادة والصمود الأسطوري
مع اقتراب عقارب الساعة من العام الجديد، يطوي عام 2024 صفحاته الدامية، التي ستبقى شاهدة على واحدة من أشد الحقب كارثية في تاريخ غزة وفلسطين. كان العام، منذ بدايته حتى لحظاته الأخيرة، مسرحاً لحرب إبادة صهيونية مدعومة أمريكياً، اختزلت فيها كل معاني الوحشية والظلم، بينما شكلت المقاومة الفلسطينية أيقونة صمود أمام عدوان لا يرحم.
في غزة، لم يكن العام 2024 مجرد رقم جديد على التقويم؛ كان عام الإبادة بكل أبعادها. فقدت غزة ما يقرب من 10% من سكانها بين شهيد، جريح، ومفقود، وسط عدوان استخدم أكثر من 87 ألف طن من المتفجرات، ما يعادل ثلاث قنابل نووية بحجم قنبلتي هيروشيما وناغازاكي. ارتكب الاحتلال 10,000 مجزرة، منها 7,168 استهدفت عائلات بأكملها، تاركاً آلاف المنازل والمدارس والمستشفيات خراباً، ومسح 1,140 عائلة من السجل المدني، لم يبقَ منها سوى الذكريات ودموع الناجين.
فمنذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن، بلغ عدد الشهداء والمفقودين أكثر من 55,000 فلسطيني، منهم 18,000 طفل استشهدوا بمعدل طفل واحد كل ساعة. النساء لم يكن أقل استهدافاً، حيث بلغ عدد الشهيدات 12,136 امرأة، فيما تشكل النساء والأطفال حوالي 70% من إجمالي الضحايا. أرقام المجازر التي ارتكبها الاحتلال تعكس حجم المأساة؛ إذ بلغت أكثر من 10,000 مجزرة، منها 7,168 مجزرة استهدفت عائلات بأكملها، مما أدى إلى إبادة 1,140 عائلة بالكامل، بينما لم يتبقَّ سوى فرد واحد من 3,563 عائلة أخرى.
الدمار المادي كان مرعباً أيضاً. دُمرت 160,500 وحدة سكنية بشكل كلي، وتحولت 83,000 وحدة سكنية إلى أماكن غير صالحة للسكن، فيما تضررت 193,000 وحدة سكنية جزئياً. كما استهدف الاحتلال المرافق الدينية بشكل مباشر، حيث دمر 819 مسجداً بشكل كامل، وألحق أضراراً كبيرة بـ 153 مسجداً إضافياً، ودمر 3 كنائس و 19 مقبرة بشكل كلي أو جزئي.
أما القطاع الصحي، فقد كان في قلب الاستهداف، حيث خرجت 34 مستشفى و 80 مركزاً صحياً عن الخدمة، إلى جانب تدمير 162 مؤسسة صحية وتعطيل 135 سيارة إسعاف. العاملون في المجال الصحي والصحفيون والعاملون في الإغاثة لم يسلموا أيضاً، حيث طالتهم الهجمات المباشرة، مسفرةً عن آلاف الضحايا.
الأطفال في غزة حُرموا من أبسط حقوقهم، فلم يتمكنوا من مواصلة تعليمهم بسبب تدمير المدارس التي أصبحت أيضاً ملجأً للأسر النازحة قبل أن تتعرض للقصف المتكرر. تشير التقديرات إلى أن أكثر من 50,000 طفل سيحتاجون إلى علاج من سوء التغذية الحاد، بينما تحتاج 160,000 امرأة حامل ومرضع إلى مكملات غذائية.
على صعيد التهجير، شُرد معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، حيث نزح العديد منهم مرات عدة بحثاً عن مأوى آمن دون جدوى. وفي ظل هذا الدمار، ألقت القوات الصهيونية أكثر من 87,000 طن من المتفجرات على القطاع، أي ما يعادل ثلاث قنابل ذرية بحجم قنبلتي هيروشيما وناغازاكي.
الأوضاع الإنسانية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور، حيث يعاني 50% من السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويحصل 1.4 مليون شخص فقط على أقل من الكمية الموصى بها من المياه يومياً، فيما يواجه 1 مليون شخص تهديدات صحية خطيرة بسبب انتشار القوارض، النفايات، ومياه الصرف الصحي.
بلغ عدد الأطفال الشهداء أكثر من 18,000، بمعدل طفل كل ساعة، في وقتٍ تحول فيه القطاع إلى مقبرة مفتوحة للبراءة والأمل، مع انعدام الملاذات الآمنة وتدمير المدارس والملاجئ.
ورغم جراح غزة النازفة، لم تنكسر إرادة أهلها، الذين صنعوا من الموت حياة، ومن الحصار سلاحاً لمقارعة المحتل. واجهت المقاومة الفلسطينية كل أنواع الحصار والجوع وانقطاع الإمدادات، لكنها لم تنحنِ، مستخدمة تكتيكات أذهلت العدو وأربكت خططه. لم تكن المعركة متكافئة من حيث القدرات، لكنها كانت ملحمة أظهرت عجز الاحتلال عن كسر غزة رغم استنفار آلته الحربية طوال 14 شهراً متواصلاً.
إن حصيلة العام 2024 ليست مجرد أرقام وإحصاءات؛ إنها مأساة شعب يدفع يومياً ثمن تمسكه بحقه في الحياة والأرض. لكنها أيضاً ملحمة صمود، تُكتب بدماء الشهداء ودموع الأمهات وأحلام الأطفال الذين يرفضون الموت رغم أنف الحرب.
في غزة، يختتم عامٌ من الدماء والدمار، لكنه يترك وراءه إرثاً من المقاومة التي ستظل شاهداً على أن هذا الشعب، وإن كان محاصراً ومعذباً، لا ينكسر. لتبقى كلمة الغزاويين واحدة "نحن لا نعيش لنقاتل، بل نقاتل لنعيش بكرامة.