31 كانون الاول , 2024

الأسرى الفلسطينيون: شهداء في زنازين الاحتلال

في زنازين الاحتلال، حيث تتلاشى آمال الأسرى الفلسطينيين بين جدرانٍ تعج بالظلم والمعاناة، تتحول حياتهم إلى معركة يومية ضد الموت البطيء. فبينما يعاني هؤلاء الأبطال من التعذيب والإهمال الطبي، يصبح الاحتلال هو الجلاد الذي يمارس أبشع أساليب التصفية بحقهم، في محاولة لقتل روح المقاومة التي لا تنطفئ. في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر، تُضاف إلى قائمة شهداء الحركة الأسيرة أسماء جديدة، ليواصل الاحتلال عملياته الممنهجة ضد الأسرى الفلسطينيين في سجون العار.

أكثر من 450 يومًا مرَّت على العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، ليعيش المدنيون، وفي مقدمتهم الأسرى الفلسطينيون، مذبحة تلو الأخرى، ومجموعة لا تحصى من القصص الإنسانية المأساوية. في هذا السياق، يواصل الاحتلال الإسرائيلي ممارسة انتهاكاته بحق الفلسطينيين في السجون والمعتقلات، محوّلاً إياهم إلى مجرد أرقام في بنك أهدافه، معرضًا حياتهم لأشد أنواع التعذيب والتهديد بالتصفية.

في الأيام الأخيرة، أضاف الاحتلال خمسة أسماء جديدة إلى قائمة شهداء الحركة الأسيرة.  هؤلاء ليسوا مجرد أرقام، بل هم رموز لصمود أسطوري وتضحيات لا تُقدّر بثمن. فبعد إعلان هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني عن استشهاد خمسة أسرى، يرتفع عدد الشهداء في سجون الاحتلال إلى 54 شهيدًا منذ بداية الحرب المدمّرة على غزة، التي أزهقت أرواح مئات الآلاف من الفلسطينيين بين قتيل وجريح ومعتقل.

الشهداء هم: محمد رشيد عكة (44 عامًا)، سمير محمود الكحلوت (52 عامًا)، زهير عمر الشريف (58 عامًا)، محمد أنور لبد (57 عامًا)، بالإضافة إلى أشرف محمد فخري عبد أبو وردة (51 عامًا). جميعهم من غزة، وكل منهم كان يعول أسرة ويعشق الحياة. ورغم معاناتهم في السجون، لم يكونوا يعانون من أي أمراض خطيرة قبل اعتقالهم، وهو ما يثبت أن استشهادهم كان نتيجة مباشرة لسياسة التعذيب والقتل البطيء التي ينتهجها الاحتلال.

بينما يواصل الاحتلال لعبته القذرة في التلاعب بالأدلة والردود الرسمية على قضايا الأسرى، تتصاعد المأساة الإنسانية التي يعيشها الأسرى وعائلاتهم. تقرير الهيئة ونادي الأسير يظهر بوضوح أن الأسير "عكة" تم اعتقاله في 15 نوفمبر 2023، بينما كان يفرّ من القصف الإسرائيلي جنوبًا. استشهد في سجن "النقب" بعد أيام من تعذيبه، وذلك رغم تأكيدات عائلته أنه كان بصحة جيدة.

أما "الكحلوت"، فقد كان يعاني من مشاكل صحية بعد عملية جراحية خطيرة خضع لها في أحد مستشفيات غزة، فتم اعتقاله من المستشفى رغم التحذيرات الطبية. استشهد في 3 نوفمبر 2024 بعد أسبوع فقط من اعتقاله.

يؤكد تقرير هيئة الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني أن جرائم الاحتلال، التي تتراوح بين التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي المتعمد، لم تكن عشوائية، بل هي جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى إبادة الحركة الأسيرة. فقد ارتفعت أعداد الشهداء بين صفوف الأسرى والمعتقلين، ليصل العدد الإجمالي منذ عام 1967 إلى 291 شهيدًا، بينهم 54 شهداء خلال العدوان الأخير.

وفي ظل هذه الكارثة الإنسانية، يتساءل الكثيرون عن دور المجتمع الدولي، الذي يظهر عجزًا مريبًا في مواجهة هذه الانتهاكات، بل ويشارك في صمت طويل مع تأييد واضح للاحتلال، ما يترك الأسرى الفلسطينيين فريسة سهلة لآلة القتل الإسرائيلية.

من جهتها، أكدت حركة "حماس" أن استشهاد هؤلاء الأسرى يعكس وحشية الاحتلال وعجز المجتمع الدولي عن وقف هذه الجرائم المتواصلة بحق الفلسطينيين. وقالت في بيانها: "هذه الجرائم لا تمثل فقط تجاهلًا للقيم الإنسانية، بل هي نتيجة لعجز المجتمع الدولي عن محاسبة الاحتلال على انتهاكاته، وهو ما يعزز واقعًا أكثر ظلامًا للشعب الفلسطيني".

إن ما يحدث في سجون الاحتلال ليس مجرد إحصائيات أو وقائع عابرة، بل هو جريمة ضد الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. الأسرى الفلسطينيون ليسوا ضحايا للآلة العسكرية الإسرائيلية فقط، بل هم أيضًا ضحايا مجتمع دولي فشل في إنصافهم. لكن، ورغم كل محاولات الاحتلال لتصفية الأسرى وتدميرهم، فإن الحركة الأسيرة تبقى عنوانًا للفخر والمقاومة. إنهم شهداء للأمل، وصامدون في وجه العواصف، ما زالوا يمثلون المقاومة الحية في جسد فلسطين.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen