من جباليا إلى الضفة: معركة طوفان الأقصى تُجسد إرادة المقاومة الفلسطينية
فيما يواصل الاحتلال الإسرائيلي شن هجماته الوحشية على قطاع غزة، تتصاعد وتيرة المقاومة الفلسطينية في مختلف جبهات القتال، مؤكدةً صمودها المستمر وعزيمتها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية. من جباليا إلى الضفة الغربية، حيث تلتقي خطوط المواجهة، تسجل عمليات المقاومة نقاطًا فارقة تفضح هشاشة ادعاءات الاحتلال وتضعه في مأزق استراتيجي غير مسبوق.
بعد مرور عام ونصف على انطلاق معركة "طوفان الأقصى تواصل كتائب القسام وسرايا القدس وبقية فصائل المقاومة تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة، متحديةً الحصار والدمار، وتؤكد أن إرادة الشعب الفلسطيني لا تعرف الاستسلام.
ففي أعماق المعركة المستمرة التي تقودها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، يتجسد الصمود الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بشكل عميق وقوي، رغم الممارسات الوحشية التي يمارسها الاحتلال.
في شمال قطاع غزة، حيث تمثل مدينة جباليا مركزًا رئيسيًا للنضال الفلسطيني، يستمر المجاهدون في مواجهة الحملة العسكرية الإسرائيلية العنيفة. وفيما يواصل الاحتلال محاولة تحقيق النصر المزعوم، تكبدت قواته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
كتائب "الشهيد عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة حماس، تؤكد في بياناتها العسكرية أنها استطاعت قنص جندي إسرائيلي قرب دوار "زمّو" شرق جباليا، في وقت تزداد فيه التحديات والمواجهات في عمق المنطقة. هذا الإنجاز يأتي وسط حصار غير مسبوق، حيث تفرض إسرائيل حصارًا على الشمال الفلسطيني منذ 60 يومًا، دون أن تنجح في استعادة المبادرة. الإعلام الإسرائيلي، من جانبه، يقر بخسائره المتواصلة في جباليا، حيث أفادت تقارير صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن نحو 30 جنديًا إسرائيليًا قُتلوا في المواجهات هناك، في مؤشر على فشلهم في تحقيق نصر حاسم.
إن جباليا، التي كانت مهدًا لانتفاضات فلسطينية تاريخية مثل "انتفاضة الحجارة" و"انتفاضة الأقصى"، باتت اليوم رمزًا آخر لصمود الشعب الفلسطيني. رغم التدمير والتهجير الذي يتعرض له سكان المخيم، يواصل المجاهدون استنزاف الاحتلال بشكل يومي، ويعدون الخطوط الأمامية للمعركة مع الاحتلال في هذا التوقيت العصيب.
أما في الضفة الغربية، فإن العمليات العسكرية ضد الاحتلال تتخذ طابعًا نوعيًا يستفيد من تجارب معركة غزة. ومنذ بداية معركة "طوفان الأقصى"، ازدادت وتيرة المقاومة في مختلف المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث سجل أكثر من 22 عملية مقاومة خلال الـ24 ساعة الماضية. هذه العمليات تنوعت بين اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال، تفجيرات لعبوات ناسفة، استهداف آليات عسكرية، وتصدي للمستوطنين الذين يحاولون اقتحام القرى والمدن الفلسطينية.
وفي مدن مثل طوباس والفارعة وبلدة تياسير، اجتاحت قوات الاحتلال هذه المناطق، فواجهتهم المقاومة الفلسطينية بأساليب مبتكرة وفعالة، حيث تمكنت من إعطاب آليات الاحتلال وتفجير عبوات ناسفة استهدفت قوات الاحتلال المتمركزة في تلك المناطق. المقاومون الفلسطينيون لم يقتصروا على المواجهات المباشرة، بل استخدموا تكتيك الهجمات على طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، حيث جرى إطلاق النار عليها في منطقة جنين، بالإضافة إلى استخدام العبوات الناسفة في بلدة عرابة.
في نابلس وقلقيلية، حيث يتصاعد التوتر، شهدت المناطق مواجهات شديدة بين المقاومين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، حيث استهدف المقاومون جنود الاحتلال بعبوات ناسفة، وأصابوا آليات عسكرية في بلدة عزون.
إن تصدي الفلسطينيين في الضفة الغربية للمستوطنين الذين يستفزونهم في الأراضي المحتلة، يعكس تنامي الوعي الشعبي الفلسطيني وقدرة الشعب على الرد، ولو بالحجارة. ففي بلدة دير نظام في رام الله، تعكس مقاومة الشبان الفلسطينيين لممارسات المستوطنين حالة من العزيمة والإصرار على التمسك بالأرض، إذ لامست المقاومة الفلسطينية ذروتها في التصدي للأعمال الاستيطانية التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
إن استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية على حد سواء، يؤكد بشكل لا لبس فيه أن الاحتلال الإسرائيلي يعاني من تآكل هيبته العسكرية في مواجهة إرادة الشعب الفلسطيني وإن التحدي الإسرائيلي للمقاومة في كل من غزة والضفة لا يعدو كونه مواجهة استنزاف طويلة المدى، في حين أن التضامن الفلسطيني الداخلي، والقدرة على تنفيذ عمليات متنوعة ومتطورة، يشير إلى أن المقاومة مستمرة في تقويض قدرة الاحتلال على إحكام قبضته على الأراضي الفلسطينية، وتعزيز كفاح الشعب الفلسطيني في سبيل نيل حقوقه.