من حيفا إلى نهاريا: كيف تغيرت معالم الشمال الإسرائيلي تحت ضربات المقاومة
فيما يستمر التصعيد العسكري على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، يتكشف الواقع المرير الذي يعيشه الاحتلال الصهيوني في قلب مستوطناته، حيث تتحول مدن الشمال من ملاذات آمنة إلى خطوط مواجهة يومية.
في مشهد غير مسبوق، تعيش مستوطنات شمال فلسطين المحتلة واقعاً مريراً من الخوف والرعب بسبب العمليات المستمرة للمقاومة الإسلامية في لبنان. هذا الواقع الذي يفرضه تصاعد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة على المناطق الإسرائيلية القريبة من الحدود، وخاصة في حيفا و"الكريوت" ونهاريا، يعكس تحولًا دراماتيكيًا في الجبهة الداخلية الإسرائيلية
حيفا و"الكريوت"، الواقعتان في الشمال الإسرائيلي، قد أصبحتا، كما يعترف المستوطنون، "خط مواجهة" فعليًا. هذه المناطق التي كانت في السابق بعيدة نسبيًا عن مناطق الاشتباك، تتحول اليوم إلى نقاط تماس دائمة مع المقاومة الإسلامية في لبنان. المستوطنون هناك، ومن خلال تصريحاتهم في الإعلام الإسرائيلي، يشيرون إلى أنهم يضطرون للدخول إلى الملاجئ بمعدل 4-5 مرات يوميًا، وذلك بسبب صفارات الإنذار التي تُطلق بشكل مفاجئ جراء الهجمات المستمرة من لبنان.
هذه الحالة من التوتر المستمر أضحت جزءًا من روتين حياتهم اليومية، حيث يصف أحدهم مشاعر الرعب المستمر التي تصاحبهم في كل مرة يسمعون فيها صفارات الإنذار، مشيرًا إلى أن المدن مثل عكا، التي كانت تعتبر آمنة سابقًا، أصبحت الآن هدفًا دائمًا للقصف.
مدينة نهاريا، التي كانت تعد من أبرز المدن الساحلية الإسرائيلية، أصبحت اليوم "مدينة أشباح". بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، فقد تسببت العمليات المقاومة في انهيار النشاط التجاري في المدينة. المتاجر أغلقت والشوارع أصبحت خالية من الحياة. في ظل الخوف المستمر من الهجمات الصاروخية، أصبح الخروج إلى الشوارع مجرد مغامرة لا يقدم عليها إلا من اضطرته الحاجة. هذه التحولات الجذرية في نمط الحياة تشير إلى أن الاحتلال يواجه أزمة غير مسبوقة على الجبهة الداخلية.
التأثيرات الاقتصادية لهذه العمليات المقاومة لا تقتصر فقط على المدن الحدودية، بل تمتد إلى بقية المناطق الإسرائيلية. في نهاريا، تحدث المستوطنون عن تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل ملموس، حيث توقفت الأعمال التجارية وقلّ عدد الزوار والسياح بشكل كبير. هذا الانهيار الاقتصادي يزداد سوءًا مع كل يوم يمر، ما يضع الاحتلال في أزمة عميقة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
وفي ضوء هذه الأوضاع المتردية، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها الإعلام الإسرائيلي أن أكثر من نصف الإسرائيليين (54%) يؤيدون وقف الحرب في لبنان، في حين أبدى 64% منهم عدم ثقتهم في كيفية إدارة الحكومة للأزمة. هذه الأرقام تُظهر بوضوح تزايد حالة عدم الرضا بين المواطنين الإسرائيليين، الذين بدأوا يشعرون بأن حكومتهم قد فشلت في تقديم حلول فعالة للمشاكل الأمنية والاقتصادية التي تواجههم.
العمليات المستمرة للمقاومة الإسلامية في لبنان قد أحدثت تحولًا كبيرًا في معادلة القوة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. من كانت تظن "إسرائيل" أنها جبهة هادئة نسبياً، أصبحت اليوم نقطة اشتعال مستمر. هذه التحولات تظهر أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير قادرة على تحمل مزيد من الضغوط.
الأثر الاقتصادي السلبي يتزايد بشكل واضح، حيث أن العمليات المقاومة قد أوقفت عجلة الاقتصاد في العديد من المناطق. تدهور الأوضاع التجارية وتراجع حركة السياحة والتجارة المحلية يشير إلى أن الاحتلال يواجه أزمة اقتصادية حادة، لا سيما في المناطق الشمالية
وتشير نتائج استطلاعات الرأي إلى حالة من الاستياء العميق بين الإسرائيليين، الذين أصبحوا يطالبون بوقف الحرب وعدم الثقة في الحكومة الحالية. هذا التوجه قد يؤثر بشكل كبير على قرارات الحكومة الإسرائيلية في المستقبل القريب.