حين تُستباح أرواح المنقذين: من الجنوب إلى البقاع عدوانٌ على الإنسانية
في انتهاك صارخ لكل القيم الإنسانية والقانونية، شهدت الأراضي اللبنانية جريمة حرب جديدة من جنوب لبنان الى بقاعه دماء تراق في ظل عدوان لا يفرق بين حجر وبشر، أرقام الشهداء تزداد يوماً بعد يوم، وتتحول معها كل قرية و بلدة، إلى شاهد صامت على جرائم لم تكتفِ باستهداف الأحياء السكنية، بل طالت قلوبًا نذرت حياتها لإنقاذ الأرواح البشرية.
في زمن أصبحت فيه الإنسانية جريمة، واصبح فيه انقاذ الانسان معركة تستباح فيها الأرواح استهدفت الطائرات الإسرائيلية مراكز الدفاع المدني في لبنان، لتحصد أرواح اختاروا أن يكونوا درعاً للإنسانية، يعملون بلا كلل ولا ملل، يخاطرون بحياتهم لإنقاذ من هم في أمس الحاجة للمساعدة، ليجدوا أنفسهم في مرمى قصف لا يرحم. استهداف هؤلاء الأبطال، الذين لا سلاح لهم سوى الأمل في إنقاذ الأرواح، ليس مجرد جريمة حرب، بل هو طعن في قلب الإنسانية نفسها. هؤلاء المسعفون لم يحملوا سوى رسالة واحدة: أن الحياة أغلى من أي شيء، وأن الإنسان هو الأولوية. ولكن في زمنٍ تُغتال فيه الإنسانية يتساقط هؤلاء الأبطال على الأرض، تاركين وراءهم دماءً تنطق بكلمات الألم والصمود في جريمة تفضح الوجه الحقيقي للاحتلال الذي لا يرحم.
من جنوب لبنان وتحديدا من بلدة عربصاليم، حيث لم يكن في تلك النقطة المستحدثة من جمعية الهيئة الصحية والدفاع المدني سوى أيدٍ نذرت نفسها لإنقاذ الأبرياء، انتهى بهم المطاف شهداءً في سبيل الإنسانية، ستة شهداء بينهم أربعة مسعفين جل ذنبهم انهم نذروا انفسهم لخدمة المواطنين
الى البقاع وتحديدا بلدة دورس حيث استهدفت غارة صهيونية حاقدة مركز الدفاع المدني فسوته ارضا وترك خلفه 12 شهيدًا من الأبطال، رجالًا كانوا في قلب الحدث، يقدمون حياتهم فداءً لأرواح الآخرين.
هذه المجازر التي تسببت في مقتل أفراد طواقم الإنقاذ والإسعاف، ليست مجرد قصف عادي بل هي اعتداء سافر على الحق في الحياة وعلى الحق في الحماية الإنسانية، بما يتعارض مع كافة المبادئ الإنسانية والمواثيق الدولية. إن استهداف المدنيين والمسعفين هو جريمة حرب صريحة، ويجب محاسبة مرتكبيها وفقاً للقانون الدولي.
تجسد هذه المجازر انتهاكاً سافراً لاتفاقيات جنيف لعام 1949، وخاصة البروتوكول الأول الإضافي الذي يحرّم استهداف الطواقم الطبية والمرافق الإنسانية، بما في ذلك مراكز الدفاع المدني حيث تنص المادة 15 من البروتوكول الأول على أنه لا يجوز استخدام الأفراد الذين يقومون بمهام طبية، ومنهم المسعفون، كأهداف للهجوم العسكري. كما أن استهداف مراكز الدفاع المدني يعد انتهاكاً للمادة 18 من البروتوكول الأول التي تعتبر هذه المراكز محمية ضد هذه الضربات.
إن استهداف المدنيين والمسعفين بشكل متعمد ليس فقط جريمة حرب، بل يمكن أن يُصنف أيضاً كجريمة ضد الإنسانية، إذ إنه يندرج ضمن الأفعال التي ترقى إلى مستوى العدوان العشوائي ضد السكان المدنيين والتي تقصد تدميرهم جسدياً ومعنوياً، كما هو الحال في هذه العدوان المتواصل ضد لبنان.
إن هذه المجازر تضاف إلى سلسلة من الانتهاكات الإسرائيلية ضد لبنان، وتستدعي موقفاً دولياً حازماً. يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في محاسبة إسرائيل على هذه الجرائم التي لا يمكن أن تمر دون عقاب ويجب أن يتوحد العالم اليوم للوقوف في وجه هذه الجرائم التي تتعارض مع كل الأعراف القانونية والإنسانية، ولضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال الإجرامية.