03 تشرين ثاني , 2024

عدسات الشهداء في غزة: عندما تصبح الكاميرا شاهدًا وشهيدًا

فيما يغيب الصحفيون عن المشهد في غزة تظل عدستهم حيةً بين زملائهم، وتبقى الحقيقة التي قدموا ارواحهم لأجلها حاضرةً تضيء درب الأجيال القادمة، هذه العدسات التي باتت شهيدة بقدر ما هي شاهدة، تهمس للعالم: هنا في غزة، الصورة قد تسقط، لكن الحقيقة تظل صامدة لا تنكسر.

في غزة، لا يموت الصحفيون حين تسقط أجسادهم؛ بل يحيون في كل صورة التقطوها، وفي كل كلمة نقلوها عن وطنهم الجريح. يظل كل شهيد من هؤلاء رمزا لعدالة قضية لا تنطفئ، وإرثًا يبقى رغم كل المحاولات لإخماده ومع ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين في القطاع إلى 183 منذ بدء الأحداث الدامية في أكتوبر 2023، ليضيف استشهاد المصور الصحفي بلال محمد رجب في قناة "القدس اليوم" وجعًا جديدًا إلى هذا السجل المليء بالتضحيات. هؤلاء الشهداء لم يكونوا مجرد ناقلين للأخبار؛ بل كانوا عينَ غزة للعالم وصوتَ الحقيقة في زمنٍ يُحاول فيه الصمت إخفاء ما يحدث خلف حدود القطاع المحاصر وحراسًا للذاكرة الفلسطينية، يدفعون حياتهم ثمنًا لإبقاء الحقيقة حيّة، وليثبتوا للعالم أن الكلمة والصورة أقوى من أي سلاح.

لماذا يُستهدف الصحفيون؟ هؤلاء الذين يُفترض أنهم محايدون، لا يحملون سلاحًا ولا يدخلون معركةً إلا لتوثيقها، يجدون أنفسهم في الخطوط الأمامية، تتلقاهم القذائف بدلاً من الكلمات، ويفترشون الأرض بدلاً من مكاتب الأخبار. يبدو أن الحرب في غزة قررت ألا تتجاهل أي أحد، حتى من يحاولون بصدق أن ينقلوا صورتها إلى العالم.

الاستهداف الممنهج للصحفيين، سواء كان متعمدًا أم عشوائيًا، يوضح أن هناك من يريد إسكات تلك الأصوات، وكسر تلك العدسات. فالصحفي في غزة يواجه خطرًا مضاعفًا، إذ يعيش تحت الحصار ويعمل تحت القصف. يكاد لا يمرّ يوم إلا ونسمع عن استشهاد زميل أو إصابة آخر.

وسط أزيز الرصاص وأصوات القصف، لا تزال عدسات الصحفيين في غزة تنقل للعالم صورًا حيةً عن وجع شعبٍ محاصر، رغم استهدافهم المستمر الذي حوّل الكاميرا من أداة لنقل الحقيقة إلى شاهدٍ على الاستشهاد.

تؤثر هذه الاستشهادات على الساحة الإعلامية الفلسطينية؛ فمع كل شهيد يُفقد، تخسر القضية صوتًا جديدًا، ويزداد فراغ الإعلام المقاوم. يُطرح السؤال كيف سيستمر الصحفيون في عملهم وسط هذه التحديات الرهيبة؟ وكيف يمكن للعدسات أن تلتقط الصور بينما قلوب المصورين تتوجع بفقدان زملائهم؟

وتبقى الاجابه بلسان حال كل صحفي ان الشهادة في غزة هي رسالة بأن العدسة أقوى من الرصاص، وبأن الكلمات أثمن من قذائف الحقد.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen