عندما تُستهدف يد الحياة: المسعفون في مرمى العدوان بين لبنان وغزة
في ساحات المعركة يظهر المسعفون كملائكة الرحمة، وجوههم تفيض بالإصرار وشجاعتهم تتحدى العدوان ، وفي لبنان، كغزة، تجسد استهداف الطواقم الطبية مأساة عميقة، حيث تحوّل هؤلاء الأبطال، الذين هرعوا لإنقاذ الأبرياء، إلى أهداف بحد ذاتهم.
هم الجنود الذين لا يحملون سلاحاً، بل يضعون حياتهم على كف الرحمة، مسلحين بروح إنسانية لا تعرف الانكسار. وفي لبنان، كغزة، تجسد استهداف الطواقم الطبية مأساة عميقة، حيث تحوّل هؤلاء الأبطال، الذين هرعوا لإنقاذ الأبرياء، إلى أهداف بحد ذاتهم. إن استهداف المسعفين ليس مجرد انتهاك للقوانين، بل طعنة في صميم الإنسانية، ورسالة قاسية بأن حتى الأيادي التي تمتد لإنقاذ الأرواح لم تعد في مأمن.
في خضم المعارك يُفترض أن يكون المسعفون والممرضون طواقم لا تمسها النيران، فوجودهم أساسه تقديم يد العون لمن أصابهم الأذى، بعيدًا عن السياسة والعدوان إلا أن العدوان الإسرائيلي على لبنان كشف وجهًا مظلمًا آخر، حيث تم استهداف 168 مسعفًا، وجرح 275 آخرين، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما يحدث على الدوام في غزة؛ حيث يتعرض المسعفون هناك للتهديد والاعتداء المستمر. هذه الاعتداءات المتكررة على الطواقم الإنسانية تشكل جريمة في نظر القوانين الدولية، وهي صرخة للضمير الإنساني كي يقف بوجه هذا الانتهاك الصارخ.
في كل لحظة تتهاوى فيها المنازل، يسارع المسعفون في لبنان وغزة لإنقاذ الأرواح. هم رموز الشجاعة التي تظهر في أحلك الظروف، يركضون في أزقة الموت تحت وقع القصف، مدفوعين بواجبهم الإنساني. إلا أن هذا الواجب أصبح يعرضهم لخطر القتل والإصابة، دون تمييز. تخيل للحظة كيف تقف عائلات هؤلاء المسعفين، تنتظر عودتهم بقلوب يملؤها الخوف، فكل نداء إنقاذ يحمل احتمال أن يكون الأخير. إن استهداف هؤلاء الأشخاص يعمق المأساة، فلا يمكن أن يكون هناك مبرر لاستهداف أشخاص يُعنى وجودهم بإنقاذ الأرواح وتخفيف الألم.
يعرف القانون الدولي الإنساني، وبالتحديد اتفاقية جنيف، الطواقم الطبية بأنها محايدة وغير مستهدفة. ومع ذلك، تتوالى الانتهاكات ضدهم في لبنان وغزة، بينما يتغاضى المجتمع الدولي عن تفعيل القانون ومحاسبة المعتدين. توثيق حالات الاستهداف وتقديمها إلى المحاكم الدولية والجهات المعنية أمر ضروري؛ فالعالم أمام جريمة ممنهجة تتطلب العدالة. إن هذه الاعتداءات على الطواقم الطبية، والتي تشكل جرائم حرب، يجب أن تكون جرس إنذار للمجتمع الدولي لفرض حماية أكبر للطواقم الإنسانية، والعمل على وقف العدوان وتقديم مرتكبي الجرائم للمحاكمة.
فلا يختلف ما يحدث في لبنان عن الجرائم التي تشهدها غزة بشكل متكرر. ففي كل عدوان على القطاع، يتم استهداف المسعفين وسيارات الإسعاف، حيث تُصيبهم نيران الاحتلال وهم يحملون المصابين والجرحى. إن استهداف المسعفين في لبنان وغزة يظهر نمطاً استراتيجياً واضحاً يهدف إلى نشر الخوف وإسكات الجهود الإنسانية. المسعفون في غزة مثل زملائهم في لبنان، يُخاطرون بحياتهم من أجل إنقاذ الآخرين، إلا أنهم يُستهدفون بشكل مباشر كما لو أن وجودهم تهديد يُراد إسكاته.
إن استهداف الطواقم الإنسانية يمثل انتهاكاً ليس فقط للقوانين الدولية، بل للضمير الإنساني. فالمسعفون والممرضون يرمزون إلى الحياة والرحمة وسط فوضى الحرب، واستهدافهم هو محاولة لانتزاع الإنسانية من قلب المعركة و على المجتمع الدولي أن يتحرك عاجلاً، وأن يقوم بواجبه في حماية من يكرّسون حياتهم لإنقاذ الآخرين.
وإن استهداف المسعفين ليس مجرد حادث عابر في خضم الحروب، بل هو انتهاك للروح الإنسانية التي تقاوم الموت، وهو محاولة لطمس أسمى رموز العطاء والتضحية. هؤلاء الأبطال الذين يهرعون لإنقاذ الآخرين يدفعون ثمن شجاعتهم بأرواحهم، ويتركون خلفهم فراغاً عميقاً في قلوب أحبائهم. إن المجتمع الدولي مدعو، بلا تأخير، إلى اتخاذ موقف حازم لحماية من يبنون جسور الحياة وسط ركام الدمار. لأننا حين نصمت على استهدافهم، نترك الإنسانية نفسها عرضة للهجوم والاعتداء.