استهداف الحياة: كيف يكشف قصف المستشفيات جرائم العدو في بيروت؟
في ليلة قاسية على العاصمة اللبنانية، تحولت الأنظار إلى بيروت وتحديدا لمنطقة الجناح، حيث اختار العدو الصهيوني كعادته هدفًا يتجاوز المعايير العسكرية ليضرب عمق الإنسانية والهدف محيط مستشفى رفيق الحريري الجامعي.
في بيروت.. حلت ليلة مظلمة على سكان منطقة الجناح والأحياء المجاورة لمستشفى رفيق الحريري الجامعي، ليلة حملت في طياتها رائحة الدمار والموت إثر غارة إسرائيلية استهدفت المنطقة، لتترك خلفها مشهداً مروّعاً من المشاهد الاجرامية التي يتركها الاحتلال خلف اجرامه
على رصيف المستشفى، حيث يتوافد المرضى وذووهم عادة لطلب العلاج والرعاية، كان المشهد مختلفاً في تلك الليلة. أربعة شهداء، من بينهم طفل، و24 جريحاً على الأقل، كانوا الحصيلة الأولية للغارة التي طالت محيط هذا الصرح الطبي ، مستشفى طبي تحوّل بين ليلة وضحاها إلى شاهد على الموت والمعاناة.
في وسط الدخان والنيران، عملت فرق الدفاع المدني بكل طاقتها في محاولة للسيطرة على الحرائق التي نشبت، والبحث بين الأنقاض عن ناجين. عمال الإنقاذ كانوا يتنقلون بين المباني المدمّرة، وقد ارتسم على وجوههم أثر الحزن والإرهاق، وعيونهم لا تكاد تغفل عن مشهد الأطفال والنساء الذين كان يُنتشلون من تحت الركام. الأصوات كانت تتعالى وصرخات تطالب بالنجدة وسط هذا المشهد الكارثي.
ربما أكثر ما يزيد المشهد إيلاماً، هو استشهاد طفل كان يأمل في أن يحيا حياة بريئة لا تعرف الحرب. هذا الطفل الذي كان يقف على عتبة المستشفى مع والدته عندما وقعت الغارة. ضحكته الصغيرة التي كانت تملأ المكان لم تكتمل، لتحل محلها دموع فراق لا تُطاق. هذا الطفل ليس مجرد رقم في حصيلة الضحايا، بل رمز لكل طفل في هذه الأرض التي يطاردها شبح الحرب. قصته تختزل معاناة أجيال تتوالى، تعيش في زمن الحروب والغارات التي لا تفرق بين صغير وكبير، ولا بين مريض وسليم.
لم تكن الغارة على محيط مستشفى رفيق الحريري مجرد ضربة عسكرية عادية؛ بل يعد استهدافاً مباشراً لمرفق صحي يتولى علاج آلاف المرضى سنوياً. المستشفيات، بحسب القوانين الدولية، يجب أن تكون محمية من الاستهداف، ولكن هذه الضربة تعكس تجاهلاً صارخاً لكل معايير الإنسانية. وزارة الصحة اللبنانية سارعت إلى وصف ما حدث بأنه جريمة حرب و ان استهداف المستشفيات هو جريمة بكل المقاييس كما عبر الأطباء الذين كانوا يعملون في المستشفى وقت الغارة مضيفين انه :"كان لدينا مرضى في العناية المركزة، وأطفال يحتاجون إلى رعاية خاصة، والآن المستشفى مُدمّر ولا يمكننا حتى الوصول إليهم".
رغم هذه المعاناة الكبيرة والليلة القاسية لا يزال الشعب اللبناني يظهر عزيمة وصلابة لا تُقهر. المقاومة التي تعود على مواجهة التحديات الكبرى كانت حاضرة في قلوب الناس، وهم يتحدون الألم والدمار. مشاهد التضامن بين الناس، والفرق التي تعمل بجهد لإنقاذ الجرحى ومساعدة العائلات التي شُرّدت، تعكس روحاً قوية لن تنكسر أمام العنف والظلم.
"لن يقدروا على كسرنا"، يقول أحد سكان المنطقة وهو يساعد في نقل الجرحى إلى سيارة الإسعاف. "كل مرة يعتقدون أنهم بضرباتهم سيجعلوننا نخاف أو نتراجع، لكنهم مخطئون. نحن أقوى من ذلك، وسنظل نصمد مهما كانت الظروف".
وفي خضم هذه الجريمة الإنسانية، يبقى السؤال الأكبر: إلى متى سيستمر هذا الاستهداف الأعمى لكل ما هو حيّ؟ ورغم الألم والدمار، يظل الشعب اللبناني صامدًا، يعيد بناء ما تهدم، ويتمسك بحق الحياة والكرامة. وما حدث في محيط مستشفى رفيق الحريري ليس مجرد عدوان على الحجر، بل هو هجوم على كل قيم الإنسانية. لكن التاريخ أثبت أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن عزيمة اللبنانيين ستظل أقوى من أي عدوان، مهما كانت وحشيته. ففي قلب الدمار، يولد الأمل دائمًا من جديد.