المسيّرة التي كسرت هيبة الدفاعات: خطوة المقاومة نحو إمساك رسن العدو وإعادته إلى الحظيرة
في لحظة تاريخية خطّت المقاومة الإسلامية فصلاً جديداً في معركتها مع الكيان الصهيوني، مسيّرة صغيرة في حجمها، ثقيلة في دلالاتها، اخترقت أعماق الأجواء الإسرائيلية، جاءت كرسالة عميقة الأثر، لتُعيد تعريف معادلات القوة في المنطقة.
في مشهد أشبه بلقطات سينمائية، أطلقت المقاومة الإسلامية من جنوب لبنان مسيّرة صغيرة، اخترقت بجرأة أجواء فلسطين المحتلة قاطعة مسافة تقارب 70 كيلومتراً، متجاوزةً ما يسمى بمروحية الأباتشي ذات الكفاءة القتالية العالية متجاوزة كل ما يُسمى بمنظومات الدفاع المتطورة، لتضرب قلب الاحتلال مباشرة، مُستهدفة منزل رئيس حكومته بنيامين نتنياهو. هذه الضربة لم تكن مجرد فعل عسكري، بل خطوة حاسمة في "إمساك رسن العدو"، لإعادته إلى الحظيرة التي لا يستطيع الخروج منها دون أن يدفع ثمناً باهظاً.
هذا العمل لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل جاء محملاً برسائل واضحة إلى نتنياهو وحكومته، وإلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية. أكدت المقاومة أنها دخلت مرحلة جديدة تتجاوز إيلام العدو لتصل إلى "تحسّس رؤوس" قادة الاحتلال، مُظهرة قدرتها على تهديد وجودهم الشخصي وأمنهم. لقد أوصلت الرسالة إلى نتنياهو: أنت مُطارَد، ولا منظومة دفاعية، مهما بلغت تكلفتها أو تطورها، ستمنعنا من الوصول إليك.
العملية تبرز براعة المقاومة في توظيف تكتيكات متطورة في توقيتٍ حرج بالنسبة لإسرائيل، التي وجدت نفسها عاجزة أمام هذه الهجمات. الإعلام الإسرائيلي، الذي حاول في البداية التقليل من وقع الحادث، اضطر لاحقاً للاعتراف بأن المسيّرة أصابت منزل نتنياهو بالفعل، وأن هذا يمثل "فشلاً أمنياً خطيراً". لم يعد بإمكانهم التعتيم على الحقيقة؛ فصوت الانفجار كان أعلى من قدرتهم على الكتمان، وتأثيره النفسي على الداخل الإسرائيلي كان عميقاً.
إن نجاح هذه العملية يكشف عن نقاط ضعف خطيرة في الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ويثبت أن المقاومة تمتلك قدراتٍ نوعية تمكنها من تجاوز ما يُعتقد أنه نظام دفاعي محكم. وما يزيد من رمزية هذا العمل وقوعه في قيسارية، إحدى أكثر المناطق حساسية وحماية، والتي تقطنها شخصيات سياسية وأمنية بارزة، ما يعني أن المقاومة قد أصبحت قادرة على ضرب الأهداف الأكثر حماية في قلب الكيان الصهيوني.
من الناحية العسكرية، تمثل هذه العملية دليلاً ساطعاً على أن المقاومة تحتفظ بقدراتها، بل وتطورها، رغم محاولات الاحتلال المستمرة لتحجيمها. لقد فند الإعلام الإسرائيلي نفسه ادعاءات الجيش بالقضاء على قدرة حزب الله، مؤكداً أن "المقاومة بخير"، وأن الصواريخ بعيدة المدى والمسيّرات المتطورة ما زالت حاضرة بقوة في ساحة المعركة.
إن ما حققته المقاومة في هذه العملية ليس مجرد ضربة أمنية، بل خطوة استراتيجية في معركة أوسع تهدف إلى إخضاع العدو وإعادته إلى الحظيرة التي لا يستطيع مغادرتها دون دفع ثمن. هي مرحلة جديدة رسمت معالمها المسيّرات التي باتت تمثل رمزاً لقدرة المقاومة على الابتكار، وسلاحاً يتجاوز بمخاطره حدود التكنولوجيا ليضرب العدو في الصميم، ويزرع في قلبه الخوف والعجز.
إسرائيل اليوم تجد نفسها أمام قوة متنامية تُجيد اللعب على نقاط الضعف، وتفاجئ العدو بأساليب لم يكن يتوقعها. كل ذلك يُظهر أن ما بدأت به المقاومة لن يتوقف هنا، بل هو تمهيدٌ لما هو أعظم، وعقابٌ لمن ظنوا أن بإمكانهم العبث بأمن المنطقة دون أن يدفعوا الثمن. هذه العملية هي جزء من معركة شاملة، وأداة بيد المقاومة لفرض معادلة جديدة تُعيد للمنطقة توازنها، وتُذكر العدو بأن كل خطوة يخطوها في طريق الإجرام ستقابل بردٍ أقسى وأشد.
تختتم المقاومة الاسلامية هذه العملية النوعية برسم معادلة جديدة، تجعل العدو أمام حقيقة لا مفر منها: زمن الحصانة قد ولّى. فالمسيّرة التي أصابت منزل نتنياهو لم تكن مجرد ضربة تكتيكية، بل إشارة واضحة إلى أن المقاومة باتت تملك مفاتيح المبادرة والردع. إنها خطوة ثابتة نحو إمساك رسن العدو وإعادته إلى الحظيرة التي لن يتمكن من مغادرتها دون دفع أثمان باهظة. وبينما يحاول الاحتلال لملمة شتات هيبته، تظل المقاومة على أهبة الاستعداد، لا تكتفي بتحقيق الانتصارات، بل تمهّد الطريق نحو معركة أكبر تحمل معها أفقاً جديداً للمنطقة.