عهد الشهداء: وعدٌ بالنصر من قلب السماء
في لحظات تختلط فيها دموع الفقد بعزيمة الصمود، وتتحول فيها الكلمات إلى شعلة لا تنطفئ في قلب كل مجاهد، نعود لنسمع صدى صوت الشهيد السيد حسن نصر الله، الذي رحل جسدًا لكن روحه لا تزال ترفرف في سماء المقاومة.
تلك الكلمات التي أطلقها في أحلك اللحظات، مخاطبًا مجاهديه، محفورة في الوجدان كعهدٍ أبدي ليست مجرد كلمات قائد إلى رجاله، بل وصية شهيدٍ وضع أمانة الأرض والمقدسات في أيدي من آمنوا أن النصر لا يُولد إلا من رحم التضحية. في كل حرفٍ من خطابه، كان السيد الشهيد نصر الله يراهن على الأوفياء الذين أقسموا أن تبقى قبضاتهم على الزناد، حتى يتحقق الوعد، وحتى تنتصر الراية التي لن تسقط أبدًا.
وفي ليلة من ليالي التضحية والعزة، أعاد الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية في لبنان نشر كلماتٍ خالدة للشهيد السيد حسن نصر الله، الأمين العام للمقاومة، موجّهة إلى المجاهدين خلال إحدى المناورات العسكرية السابقة. كلمات تقطر صدقًا وإيمانًا، حملت في طياتها عبق الوفاء والرهان على رجالٍ آمنوا أن سواعدهم هي حامية الأرض، ودماؤهم هي الحصن الأخير الذي يذود عن الشرف والمقدسات.
الشهيد السيد حسن نصر الله، الذي خاض معاركه بشجاعة المؤمنين وقلب المحاربين، كان دائمًا يرى في هؤلاء المجاهدين أكثر من مجرد رجال يحملون السلاح. كان يرى فيهم "عقولًا نيّرة وقلوبًا مؤمنة وسواعد فتية قوية"، رجالًا راهن عليهم بعد الله في الدفاع عن الأرض المباركة والشعب الشريف، وفي صون إنجازات دماء الشهداء الذين سبقوا على درب العزة.
بكل وضوح، عبّر السيد نصر الله عن ثقته التي لا تتزعزع في هؤلاء الرجال. قال لهم: "الرهان عليكم للدفاع عن هذه الأرض، وعن كل إنجازات دماء الشهداء". إن هذه الكلمات لم تكن مجرد خطاب عابر، بل كانت وعدًا متجذرًا في قلب كل مجاهد حمل سلاحه ونذر نفسه لفلسطين وللدفاع عن الوطن، حيث لم يكن الهدف مجرد النصر العسكري، بل تحقيق أسمى الأماني التي كانت تملأ قلب الشهيد السيد نصر الله.
وكأن هذه الكلمات كانت نبوءة تسبق الأقدار، جاءت رسالة المجاهدين بعد استشهاده لتؤكد ما كان يراهن عليه. من مواقع المقاومة، ومن حدود فلسطين التي سار الشهيد نصر الله في طريقها، رفع المجاهدون قبضاتهم على الزناد، وأقسموا: "والله على عهدنا ماضون، وعلى وعدنا مستمرون، حتى نحقق آمالك وأهدافك، مهما بلغت التضحيات". هذه ليست مجرد كلمات، بل هي تعبير عن يقين لا يتزعزع، وعهد بين الشهيد والمجاهدين أن الراية لن تسقط، ولن يتخاذلوا أمام القاتل والمعتدي.
وفي رسالتهم المؤثرة إلى شعبهم الصابر الأبي، قال المجاهدون: "قسماً بآهات المعذّبين وبالأشلاء الممزقة، لن يسلم القاتل من بأسنا وثأرنا". إنه وعدٌ تتوارثه الأجيال، وعدٌ بأن دماء الشهداء لن تذهب سدى، وأن تلك الأرض ستبقى عصية على كل معتدٍ أثيم.
عندما نقرأ هذه الكلمات، نستشعر عمق الإيمان الذي حمله الشهيد السيد نصر الله، والثقة التي زرعها في قلوب رجاله. ليس مجرد قتالٍ من أجل النصر، بل هو جهاد من أجل الكرامة والعدالة، ومن أجل بقاء الأمة واقفة على قدميها، قوية وصامدة. إن هذا العهد، الذي قطعه المجاهدون، يعيد إلينا الأمل بأن كل تضحيات الشهداء ستظل منارة تضيء طريق الحرية.
نعم، كما قال الشهيد نصر الله للمجاهدين: "بارك الله فيكم وفي جهودكم"، فهم بحق حماة الديار، وحراس الدماء التي لن تذهب هباءً، ومعهم يبقى وعد النصر قائمًا، حتى تحرير الأرض واستعادة الحقوق المغتصبة.