طوفان الأقصى .. المعركةُ الّتي كشفت وهن كيان الاحتلال
لعلّ من أبرز منجزات معركة طوفان الأقصى كشفها وهن وهشاشة كيان الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الصهيوني ككلّ، فعلى مدى عام كامل تكشّف ضعف الاحتلال عسكريا سياسيا وحتى مجتمعيا.. هذا التّقرير يوجز تبعات الطوفان على جبهة العدو الداخليّة طيلة عام من المواجهة..
يومًا بعد آخر، أثبت شعار "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت" أنه حقيقة، إذ كشف العدوان الإسرائيلي على غزة وجبهة المساندة في جنوب لبنان واليمن والعراق هشاشة المجتمع الإسرائيلي، بالإضافة الى تصدُّعات في الجبهة الداخلية لكيان الاحتلال.
فمنذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتحاق المقاومة اللبنانية فيها، ومن ثم اليمنية والعراقية ، رافقها عجز جيش العدو عن تحقيق أهدافه المعلنة من حرب غزة وغرقه في مستنقعها وتكبّل يداه واستنزافه على جبهة الشمال، ظهرت تباعاً آثارٌ جسيمة في بنية هذا الكيان الهشّ...
وأدّى ذلك إلى تراجع ثقة المستوطنيين الصهاينة بجيشهم وقادتهم وحكومتهم، وزاد قلقهم بشأن الوضع الأمني والاقتصادي في "إسرائيل".
هذا الواقع المُستجدّ الذي عمّق مأزق الكيان الصهيوني كان له تداعيات على مجمل مؤسساته، أكدته وسائل إعلام العدو نفسها في تقارير أبرزت مواطن ضعف بنيان المجتمع الإسرائيلي، وخصوصًا فيما يتعلق بالقدرة البشرية.
إذ أظهرت نتائج استطلاع للرأي، نشرته صحيفة "معاريف"، أن 86% من الإسرائيليين قلقون للغاية أو قلقون بشأن الوضع الأمني في الكيان و73% منهم قلقون بشأن الوضع الاقتصادي.
كما بيّن استطلاع آخر أجراه "ائتلاف الحركات الشبابية"، نقلته "القناة الـ 12" العبرية، أنّ "ثلث الشبان الإسرائيليين لا يريدون أن يجري تجنيدهم"، وقالت القناة إنّ: "هذه المعطيات خطرة وتدمي القلوب".
في حين كشفت صحيفة "إسرائيل هيوم"، عن قلق جيش الاحتلال من ظاهرة ازدياد عدد المتهربين من الخدمة.
المسألة الأخطر التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي بعد حرب غزة وجبهة المساندة وخاصة من لبنان، ونتيجة الأعداد الكبيرة من القتلى والجرحى الذين سقطوا في المعارك، بالإضافة الى المصدومين نفسيًا، هي مسألة تجنيد الحريديم في الجيش، إذ بيّن استطلاع للرأي جرى في منتصف تموز الحالي نشرته"معاريف"، أن "49% من المستطلعة آراؤهم في ما يتعلق بقرار المحكمة العليا بشأن تجنيد الشباب الحريديم يعتقدون أنه يجب تصحيح الوضع غير المتكافئ بأي وسيلة بما في ذلك الإكراه".
بالمقابل عارض 82% من الحريديم قرار المحكمة.
وهذا الأمر، وبحسب غالبية المحللين الصهاينة، من الممكن أن يؤدي الى انقسام حاد بين المستوطنين، ويهز أركان الكيان الصهيوني بجميع مؤسساته العسكرية والأمنية.
ملف الأسرى الصهاينة في غزة، جرح مفتوح استنزف كيان العدو أيضًا ، وزاد من شرخ المجتمع لديه، وهو ورقة رابحة بيد المقاومة الفلسطينية تستخدمها للضغط على قادة الاحتلال، من أجل تعميق مأزق الكيان وتأليب المستوطنين على قادته.
والشاهد على ذلك المظاهرات التي أخذت تتوسع يوميًا في "تل أبيب" وغيرها.
وفي هذا السياق؛ أشارت نتائج استطلاع إلى أن 56% من المستوطنين يؤيّدون المظاهرات ضد الحكومة.
سلاح التهجير لمستوطني الشمال الفلسطيني المحتل أصاب أصحاب القرار الإسرائيليين بمقتل، ليس لأن قيادة المقاومة في لبنان استخدمته، وستستخدمه بفاعلية وذكاء، بل لأن نتائجه وأبرزها هروب ما يقرب من 200 الف مستوطن إلى مناطق آمنة لمرحلة "مؤقتة" امتدت لأكثر من تسعة أشهر، وتحوّلت الى مرحلة دائمة، ما يشكّل عبئًا ماليًا ونفسيًا على المجتمع والمشروع الصهيوني برمته ما يسرّع من احتمالات اجتثاثه كليًا، خاصة بعدما طالب المستوطنون بحزام أمني، وهددوا بالانفصال عن الكيان الغاصب.
إذ نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم"، في هذا السياق، عن قائد القوات البرية السابق في الجيش الإسرائيلي اللواء يفتاح رون تال، بأنه قال: "حزب الله بنى حزامًا أمنيًا، لقد فكّك مجتمعاتنا، ونصف السكان لا يعرفون ما إن كانوا سيعودون".
الانقسام السياسي داخل الكيان الذي كان واضحًا قبل عدوان غزة، بدأ بالتوسع أكثر فأكثر، وخاصة بعدما عجز قادة العدو عن تحقيق ملف الأسرى.
إذ شنّ زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد هجومًا قويًا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في تصريحات نقلتها إذاعة الجيش الإسرائيلي قائلاً: "نحن بحاجة إلى وقف الحرب وعقد صفقة وإعادة الأسرى..
حكومة نتنياهو مجنونة تخوض صراعات داخلية وعاجزة عن فعل أي شيء، ولا تهتم بالجنوب ولا بالشمال".
وأمام هذه الوقائع والمعطيات التي أفرزها العدوان على غزة وجبهة جنوب لبنان وغيرها من جبهات المساندة، تؤكد أن الكيان الصهيوني بدأ يعاني مشكلات مستعصية ستؤثر على مجمل نواحي الحياة فيه، وسيكون لها تداعيات خطرة في المستقبل على المشروع الصهيوني برمّته.