المجاعة تخنق الحياة في غزة: وجوه منهكة واقتصاد يترنح
في قطاع غزة المحاصر، لم يعد الجوع أزمة غذائية فحسب، بل تحوّل إلى تهديد شامل يطال الجسد والعقل والعمل. من المكاتب إلى الأسواق، تتجسد المأساة في قصص أشخاص يكافحون يوميًا للبقاء، فيما تنهار القدرة الاقتصادية للمجتمع تحت وطأة الحصار والمجاعة.
هنا في غزة، لا تُقاس ساعات العمل بإنجاز المهام، بل بمدى قدرة الجسد على الصمود. الجوع يثقل الخطى، والإرهاق يطفئ الأفكار، والمصانع والمكاتب والأسواق تئن مع أصحابها في معركة بقاء يومية، حيث الخبز حلم والماء رجاء.
في إحدى الشركات التسويقية، يكشف مديرها أن معدل الإنتاج انخفض إلى النصف، بعدما أصبح الجوع حالة دائمة بين الموظفين، انعكست على صحتهم الجسدية وتركيزهم، حتى باتت الاستمرارية نفسها موضع شك. ويقول: "لم نعد نحسب الأرباح والخسائر، بل نحسب كم سنصمد قبل أن نتوقف تمامًا."
في زاوية أخرى من المدينة، تجلس روان حمادة، موظفة خدمة عملاء في شركة اتصالات محلية، أمام مكتبها الخالي من الزبائن، تحدّق في شاشة الحاسوب المطفأة بسبب انقطاع الكهرباء. تقول وهي تمسك كوب ماء نصف ممتلئ: "أحيانًا يكون هذا هو فطورنا وغداؤنا في نفس اليوم."
روان، التي اعتادت استقبال عشرات الاتصالات يوميًا، تجد نفسها اليوم عاجزة عن الرد بتركيز، إذ تغلبها الدوخة وضعف السمع، ويثقل رأسها من قلة الطعام. تضيف: "العمل لم يعد تحديًا مهنيًا، بل تحديًا جسديًا للبقاء مستيقظة حتى نهاية الدوام."
القصة تتكرر في عالم الإبداع؛ مصمم الغرافيك عبد الرحمن النواتي يقول إن الخيال بات معطلاً تحت ضغط الجوع، وأن الأفكار صارت بطيئة وباهتة، وكأنها محبوسة في غرفة مظلمة.
أما في سوق الشيخ رضوان، يقف أبو وسيم الحلو، بائع الخضار الستيني، منهكًا بعد ساعات قليلة من العمل، فيقول: "سابقًا كنا نصمد حتى المساء، الآن بعد ساعتين أشعر أنني على وشك الانهيار."
تتشابك المجاعة مع الحصار لتخلق أزمة وجودية تمس كل تفاصيل الحياة في غزة. لا يتعلق الأمر فقط بتراجع الأعمال، بل بانهيار قدرة الإنسان على العمل والبقاء، في مشهد ينذر بمستقبل أكثر قتامة ما لم يُتخذ تدخل عاجل وحقيقي. وسط هذا الانكسار، يبقى صمود الناس الخيط الأخير الذي يمنع السقوط الكامل، لكنه خيط هشّ يحتاج إلى دعم قوي كي لا ينقطع.