15 تشرين أول , 2025

الأبعد جغرافيًا والأخطر استراتيجيًا: اليمن هاجس العدو

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيّز التنفيذ، تتجه الأنظار في تل أبيب نحو الجبهة اليمنية التي باتت تُوصف في الأوساط الإسرائيلية بأنها الأبعد جغرافيًا والأخطر استراتيجيًا.فالإعلام العبري، في معظم تحليلاته، يرى أن اليمن تحوّلت إلى تهديدٍ وجوديٍ حقيقي للكيان بقدراتها الصاروخية والبحرية

بينما تدخل هدنة غزة حيّز التنفيذ، يتكشّف في المشهد الإسرائيلي قلق متصاعد من الجبهة الأبعد جغرافياً والأخطر استراتيجياً ــ جبهة اليمن. فالمؤسسة الأمنية والإعلامية في كيان الاحتلال باتت تُدرك أن الحرب على غزة لم تُنهِ التهديدات، بل نقلتها إلى البحر الأحمر، حيث يقف اليمن كعامل موازنة جديد فرض معادلات ردع لم تعهدها تل أبيب من قبل. واللافت أن الخطاب الإسرائيلي، رغم تهديداته العالية، يكشف بوضوح حالة الإرباك والارتباك في التعاطي مع هذا الملف المعقّد.
تقرّ التحليلات العبرية بأنّ حركة اليمن لم تعد مجرّد مصدر إزعاج عابر، بل تهديد وجودي يطال الأمن القومي الإسرائيلي وعمق الاقتصاد العالمي. فبعد وقف إطلاق النار في غزة، بدأ الإعلام الإسرائيلي يُحرّض على الانتقام من اليمن، في حين يعترف قادة الاحتلال، ضمناً، بعدم امتلاكهم خطة واضحة للتعامل مع القوات المسلحة اليمنية
المخاوف الإسرائيلية تمتدّ من البعد العسكري إلى الاقتصادي. فالهجمات البحرية التي نُفّذت خلال الأشهر الماضية دفعت كبرى شركات النقل العالمية إلى تجنّب المرور عبر باب المندب، ما عطّل جزءاً من التجارة الدولية ورفع أسعار الشحن والتأمين.
ورغم دخول اتفاق غزة حيّز التنفيذ، تشير تقارير غربية إلى أنّ شركات التأمين والملاحة لن تعود سريعاً إلى البحر الأحمر قبل ضمانات صلبة من أنصار الله بعدم استهداف السفن. ويعترف خبراء النقل بأنّ عودة الملاحة الطبيعية تحتاج التزامات سياسية وأمنية لا تملك تل ابيب ولا الغرب ضمان توفيرها.
اللافت في المشهد، وفق مراقبين، هو أنّ صمت اليمن عن التطورات الأخيرة في البحر الأحمر يُقلق العدو أكثر من تصريحات التهديد. فالغموض الذي يكتنف نوايا القوات المسلحة جعل الدوائر الإسرائيلية والغربية تتعامل بحذر بالغ، وسط قناعة بأنّ أيّ تصعيد في لبنان أو غزة قد يعيد اليمن إلى الميدان بقوة.ويؤكد هذا التحليل أنّ الردع اليمني أصبح عاملاً حاضراً في حسابات الأمن الإسرائيلي، وأنّ تل أبيب لم تعد قادرة على تجاهله أو مواجهته بسهولة.
في المحصّلة، تكشف القراءة الإسرائيلية الراهنة أن اليمن، بعد غزة، بات العنوان الأبرز في معادلة الصراع. فبينما تبحث تل أبيب عن انتصار رمزي يرمّم صورتها بعد الهزيمة في غزة، يجد صانع القرار الإسرائيلي نفسه أمام واقع جديد: جبهة جنوبية بعيدة المدى، قادرة على تعطيل التجارة العالمية وإرباك حسابات الأمن الإسرائيلي لأشهر وربما سنوات. لقد انتقل الخوف الإسرائيلي من صواريخ غزة إلى مضيق باب المندب، ومن هاجس الأنفاق إلى كابوس البحر الأحمر، في مشهد يعيد رسم خارطة الردع في المنطقة على وقع التحولات التي فرضتها قوى المقاومة.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen