05 آب , 2025

الإنزالات الجوية بين التاريخ والواقع: نموذج غزة تحت المجهر

في ظل الحصار الخانق على قطاع غزة، عادت مشاهد الإنزالات الجوية للمساعدات إلى الواجهة، لكن فعاليتها وحجمها يثيران الجدل. تجارب تاريخية، مثل إنزال وارسو خلال الحرب العالمية الثانية، تُظهر أن النجاح مرهون بالتنظيم والإرادة السياسية، وهو ما يراه مراقبون غائبًا في نموذج غزة.

منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، لجأت عدة دول عربية وأجنبية، بينها الأردن ومصر وإسبانيا، إلى خيار الإسقاطات الجوية بعد إغلاق المعابر البرية بقرار إسرائيلي. لكن تقارير أممية تصف هذه الخطوات بالرمزية، مشيرة إلى أن متوسط الحمولات لم يتجاوز 15 طنًا يوميًا، أي ما يعادل شاحنتين فقط، مقابل حاجة غزة إلى ما بين 500 و600 شاحنة يوميًا.

الفارق في الكلفة يضاعف الجدل؛ فالطن جوًا قد يصل إلى 30 ألف دولار، أي مئة ضعف التكلفة برًا إذا توفرت المعابر. يضاف إلى ذلك المخاطر الميدانية، إذ تسقط الطرود عشوائيًا في مناطق مكتظة أو مفتوحة، ما يخلق فوضى وازدحامًا ويعرض المدنيين لإصابات أو قصف، كما حدث في آذار/مارس 2024 حين قُتل خمسة أشخاص قرب مخيم الشاطئ.

من زاوية أخرى، تؤكّد منظمات الإغاثة الدولية أن هذه الطرود لا تصل إلى الفئات الأكثر هشاشة واحتياجاً، مثل المرضى والأطفال وكبار السن أو أولئك الذين لا يستطيعون التحرك، بل يحصل عليها من يستطيع الوصول سريعاً إلى أماكن سقوطها، ما يفاقم من التفاوتات داخل المجتمع ويترك الفئات الأضعف في مواجهة الجوع والعطش.

تاريخيًا، برزت عمليات إنزال ناجحة جزئيًا، مثل وارسو عام 1944، حيث امتزج الدعم الإنساني والعسكري في خدمة هدف استراتيجي واضح: دعم المقاومة ورفض الاستسلام. أما في غزة، فغياب التخطيط الاستراتيجي والإرادة السياسية جعل الإنزالات محدودة الأثر، لا تصل للفئات الأضعف، ولا تُحدث فارقًا في مسار الصمود.

بينما بقيت وارسو رمزًا للمقاومة والتكافل، يعكس نموذج غزة واقع الفشل حين تتحول الإنزالات إلى مشاهد إعلامية بلا خطة، وتُترك الشعوب المحاصرة رهينة الجوع والعدوان، في انتظار إرادة دولية غائبة.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen