معركة أولي البأس: حين حوّلت المقاومة العدوان إلى بوابة للنصر
وسط زخم الأحداث وتراكم التحديات، برزت معركة أولي البأس كملحمة استثنائية أعادت صياغة معادلات المعركة في المنطقة، في كلمة تحاكي عمق التجربة وصعوبة التحديات، رسم امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم صورة لمقاومة لا تنحني أمام العواصف، بل تصنع من التضحيات جسوراً نحو النصر، في مشهد تخطى حدود الجغرافيا، حملت هذه المعركة رسائل للصديق والخصم، بأن المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية، بل مشروع حياة وصمود، يحاكي حاضر الأمة ومستقبلها في مواجهة أطماع الاحتلال ومخططات الهيمنة.
جاءت كلمة الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، كخريطة طريق تحمل أبعاداً سياسية وعسكرية واجتماعية، تؤكد على عمق استراتيجية المقاومة ووعيها بمسار المواجهة مع العدو الإسرائيلي. الكلمة لم تكن مجرد استعراض للأحداث، بل تضمنت رسائل واضحة ترسم ملامح المرحلة المقبلة في سياق الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، والتحديات الإقليمية التي تواجه محور المقاومة.
استهل الشيخ قاسم كلمته بالتأكيد على صلابة المقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير، واصفاً معركة "أولي البأس" بأنها محطة مفصلية أظهرت قدرة المقاومة على تحقيق التوازن بين الدفاع عن الأرض وإدارة الصراع. وقد امتدت المعركة لستة وأربعين يوماً، عاش خلالها الشعب اللبناني معاناة النزوح والتحديات الاقتصادية، فيما كان المجاهدون يرسمون بصمودهم ملامح نصر جديد.
المعركة حملت في طياتها رسالة مزدوجة الأولى موجهة إلى العدو، بأن أي عدوان سيلقى مقاومة نوعية قادرة على استنزافه وإرباكه. والثانية إلى الداخل اللبناني والإقليمي، لتؤكد أن حزب الله يمتلك منظومة قيادة وسيطرة فاعلة، قادرة على إدارة صراع طويل الأمد بمهنية ووعي استراتيجي.
النصر في معركة "أولي البأس" لم يكن وليد اللحظة، بل استند إلى ثلاثة أبعاد أساسية حددها الشيخ قاسم تتجلى في الروح الاستشهادية للمجاهدين التي مثلت الدرع الحصين في الميدان، حيث أثبت المقاومون قدرتهم على التحمل والصمود، مسجلين أروع صور البسالة و التضحيات الكبرى، وعلى رأسها دماء القادة والشهداء، التي أعطت المقاومة زخماً معنوياً دفعها للاستمرار في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية و إعادة بناء هيكلية القيادة والسيطرة، ما أتاح للمقاومة إدارة المعركة بكفاءة وتحقيق الانتصار رغم الظروف الصعبة.
هذه العوامل تعكس قوة المقاومة كحالة متكاملة، قادرة على تجاوز الضغوط العسكرية والسياسية، لتبقى حاضرة بقوة في معادلة الردع الإقليمي.
إقرار حزب الله بقبول آلية تنفيذ القرار 1701 لا يعني التنازل عن مبادئ المقاومة أو خضوعها لشروط دولية، بل هو تأكيد على مرونة سياسية تحفظ للبنان سيادته وتتيح للمقاومة تعزيز موقعها الاستراتيجي. الشيخ قاسم أوضح أن الاتفاق يقتصر على جنوب نهر الليطاني، مؤكداً أن المقاومة تراقب بوعي الخروقات الإسرائيلية المتكررة، وتحمّل الدولة مسؤولية متابعة هذه الانتهاكات.
هذا الموقف يعكس توازناً دقيقاً بين الالتزام الوطني والانخراط في معادلة دولية تفرضها ظروف الصراع، دون المساس بجوهر المقاومة كقوة ردع فاعلة.
الكلمة أعادت ربط العدوان الإسرائيلي على لبنان بسياق أوسع يشمل سوريا ومحاولات تغيير موقعها الاستراتيجي. الشيخ قاسم شدد على أن الجماعات التكفيرية ليست سوى أدوات لخدمة المشروع الأمريكي-الإسرائيلي، الهادف إلى نقل سوريا من موقعها المقاوم إلى حالة من الخضوع والتفكك.
هنا يظهر حزب الله كجزء من محور مقاومة أوسع، يدافع عن سوريا بوصفها حلقة رئيسية في مواجهة المشروع الصهيوني. هذا التوجه يعكس إدراكاً استراتيجياً بأن معركة المقاومة ليست محصورة بجغرافيا محددة، بل هي معركة وجود ومصير لكل شعوب المنطقة.
الرسالة الأبرز في الكلمة كانت موجهة إلى الدول العربية، حيث حذر الشيخ قاسم من أن أي مكسب لإسرائيل هو خسارة مباشرة للعرب، وليس فقط لفلسطين أو لبنان أو سوريا. هذا التحذير يعكس رؤية عميقة بأن الصراع مع إسرائيل ليس نزاعاً حدودياً، بل هو مواجهة شاملة تستهدف الأمة بأكملها.
التحية التي وجهها الشيخ قاسم إلى العراق واليمن تعكس كذلك امتنان المقاومة لدور هذه الدول وشعوبها في دعم القضية الفلسطينية ومساندة محور المقاومة.
كلمة الشيخ نعيم قاسم جاءت لتؤكد أن المقاومة ليست مجرد رد فعل على العدوان، بل هي خيار استراتيجي يستند إلى رؤية متكاملة للصراع. الانتصار في معركة "أولي البأس" لم يكن مجرد نجاح عسكري، بل هو تجسيد لصمود مجتمعي، ومرونة سياسية، وعمق في إدارة المعركة.
المقاومة، كما أكد الشيخ قاسم، باقية ومستمرة، ولن تتوقف عن التألق في مواجهة المشروع الصهيوني، حاملة لواء الدفاع عن الأرض والكرامة، ومستمرة في تعزيز موقعها كمكون أساسي في معادلة الردع الإقليمي.