ناقلة الجند "إيتان" في شوارع الضفة.. حين يرتجف الاحتلال أمام مقاومة لا تُهزم
لأول مرة منذ ثلاثة وعشرين عامًا يستخدم الاحتلال الإسرائيلي ناقلات جند مدرعة في الضفة الغربية في خطوة تعكس حجم المأزق الذي يواجهه أمام تصاعد عمليات المقاومة وتحوّل المواجهة إلى نمط قتالي أكثر تعقيدًا ، تصعيد لا يبدو مجرد إجراء تكتيكي بل مؤشرًا على إدراك الاحتلال أن معركته في الضفة لم تعد تحت سيطرته وأن المقاومة رغم فارق الإمكانيات نجحت في فرض معادلات جديدة جعلت جنوده بحاجة إلى حماية أكبر داخل أرض ظن يومًا أنه يستطيع إخضاعها
لم تكن شوارع الضفة الغربية يومًا ميدانًا تقليديًا لأي قوة غازية حاولت فرض سطوتها على حجارتها العنيدة وأزقتها الضيقة التي حفظت وقع أقدام المقاومين قبل أن تحفظ أسماءهم واليوم وبعد ثلاثة وعشرين عامًا يعود الاحتلال ليحتمي بمجنزراته الثقيلة داخل مدن ظن أنه أخضعها بالقوة لكنه لم يدرك أن الأرض التي سقط عليها الشهداء لا تبتلع الدماء بل تروي جذور التحدي وتُنبت مقاومة أشد بأسًا فمن جنين إلى طوباس تتقدم ناقلات الجند المدرعة بحثًا عن أمان مفقود في مواجهة رجال لا تهابهم الدبابات ولا تردعهم التحصينات حيث تنقلب معادلة القوة كلما زاد الاحتلال في عنفه ليجد نفسه غارقًا في مستنقع جديد من الاستنزاف الذي لا يملك أمامه سوى المزيد من الرعب والمزيد من الفشل
في خطوة تكشف حجم التحديات التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، استخدمت قوات الاحتلال ناقلات جند مدرعة للمرة الأولى منذ عام 2002، ما يعكس قلقًا متزايدًا على حياة جنودها في ظل تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية.
وفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية، شوهدت ناقلات الجند المدرعة من طراز "إيتان"، التي يستخدمها لواء "نحال" القتالي، في منطقتي جنين وطوباس، وهما من أبرز بؤر المواجهة بين المقاومين الفلسطينيين وجيش الاحتلال. هذا التطور يُعيد إلى الأذهان عملية "السور الواقي" عام 2002، حين اجتاحت قوات الاحتلال الضفة الغربية بآليات عسكرية ثقيلة في محاولة للقضاء على انتفاضة الأقصى.
لكن هذه المرة، يختلف المشهد؛ إذ لم يعد الاحتلال يخوض حربًا ضد انتفاضة شعبية فحسب، بل يواجه مقاومة مسلحة متصاعدة، تجيد نصب الكمائن والتعامل مع أحدث منظومات الاحتلال الأمنية والعسكرية.
والسؤال الابرز لماذا لجأ الاحتلال إلى ناقلات الجند المدرعة الآن؟
فالعمليات النوعية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية، خصوصًا في شمال الضفة ادت إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف الاحتلال، ما دفعه للبحث عن وسائل أكثر "أمانًا" لحماية جنوده أثناء اقتحام المدن والمخيمات.
كما وان المواجهات في الضفة لم تعد تقتصر على المواجهات بالحجارة والزجاجات الحارقة، بل باتت تتسم باستخدام العبوات الناسفة، كمائن القنص، والاشتباكات المسلحة، مما يفرض تحديًا أمنيًا جديدًا على الاحتلال.
• فشل الأساليب الأمنية التقليدية فرغم الانتشار الكثيف لوحدات "اليمام" الخاصة واستخدام طائرات الاستطلاع والقصف الجوي، لم يتمكن الاحتلال من إخماد جذوة المقاومة، بل على العكس، ازداد زخم العمليات الفدائية وتعقيدها.
هذا و يرى مراقبون أن الاحتلال يريد من خلال هذه الخطوة إيصال رسالة مفادها أن العمليات العسكرية في الضفة لم تعد مجرد "مداهمات روتينية"، بل عمليات قتالية تستوجب استخدام معدات عسكرية ثقيلة.
يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول "تدجين" الضفة الغربية أمنيًا عبر تصعيد عسكري غير مسبوق، لكن الوقائع الميدانية تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية، رغم قلة الإمكانات مقارنة بقطاع غزة، استطاعت فرض معادلة جديدة أجبرت الاحتلال على تغيير أساليبه الدفاعية والهجومية.
يأتي ذلك في ظل تسجيل 70 شهيدًا فلسطينيًا في الضفة منذ بداية العام الجاري، معظمهم من محافظة جنين، ما يعكس حجم العنف الذي تمارسه قوات الاحتلال، ويؤكد أن المقاومة ما زالت قادرة على استنزاف العدو رغم فارق الإمكانيات.
تصاعد استخدام الاحتلال للآليات المدرعة قد يكون مؤشرًا على نية توسيع عملياته في الضفة، خاصة في ظل تصعيد الهجمات التي تستهدف جنوده ومستوطنيه. لكن في المقابل، يدرك الاحتلال أن زيادة الضغط العسكري قد تؤدي إلى إشعال انتفاضة جديدة أو رفع مستوى العمليات الفدائية إلى مستويات أكثر تطورًا وتعقيدًا.
وسط هذا التصعيد الميداني ومحاولات الاحتلال لتعزيز وجوده العسكري في الضفة الغربية يبقى السؤال الأهم هل تستطيع ناقلات الجند المدرعة إنقاذ جنوده من فخ المقاومة المتصاعدة أم أنها ستكون مجرد شاهد جديد على فشل القوة في مواجهة إرادة لا تنكسر فعلى هذه الأرض التي لا تهدأ تتجدد المعادلات ويتواصل الاستنزاف لتبقى الضفة عنوانًا للصمود وساحة مفتوحة لمعركة لم يحسمها الاحتلال يومًا ولن يحسمها أبدًا