14 شهراً والميدانُ الفلسطينيّ يؤرّق الجبهة الدّاخليّة الإسرائيليّة
رغم مرور ١٤ شهراً على الحرب ، لازال ميدانُ غزّة يسطّر عمليّآت نوعيّة أثّرت وبشكل بالغ على مستوى الجبهة الداخلية الإسرائيلية نفسيّاً وعسكريّا واقتصاديّاً.
14 شهراً من المُواجهة لم تُفلح فيها إسرائيل في تحطيم المقاومة في ميدان غزّة ، وهو الأمر الذي يكشف عن خلل استراتيجي في فهم طبيعة هذه المقاومة.
ان اعتماد الكيان على فرضية أن القوة العسكرية يمكن أن تغير الواقع في غزة، فرضية ساقطة ، بينما المقاومة تثبت أنها ليست خصماً عسكرياً فحسب، بل مكوّن جوهري من هوية المجتمع الغزّي، الذي لا يمكن إزاحته بسهولة.
يؤكد خبراءٌ عسكريّون في هذا السياق، أن استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي رغم الوقت الطويل للحرب يُشكّل ضغطًا نفسيًا وعسكريًا كبيرًا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
ويستند الخبراء الى الميدان الذي يشهد عمليات نوعية ومستدلّين بسلسلة الكمائن الأخيرة التي نفذتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في رفح جنوب قطاع غزة والتي وصفوها بأنها ضربات مركزة وإبداع تكتيكي.
وكانت كتائب القسام قد بثّت مشاهد لعملية "الانتقام لدماء السنوار"، التي تضمنت 3 كمائن نفذها مقاتلوها في 24 نوفمبر الماضي بحي الجنينة شرق رفح، مستهدفة جنود الاحتلال وآلياته. وشملت العملية استهداف جرافتين عسكريتين دي 9 ناقلتي جند، ودبابة ميركافا بقذائف الياسين 105 إضافة إلى قصف مبنى يتحصن فيه جنود إسرائيليون بقذيفة مضادة للأفراد.
كما كانت القسام قد نشرت سابقًا مشاهد من الكمينين الأول والثاني، تضمنت قنص جنود واستهداف آليات الاحتلال بقذائف مضادة للدروع.
وعليه يوضح الخبراء أن استمرار بث هذه المشاهد للمجتمع الإسرائيلي يعزز من تآكل الشعور بالأمن لديهم وهو عامل اساس في الحرب النفسيّة التي أبدعت فصائل المقاومة عبر اعلامها الحربي والعسكري فيها..
فهذا الشعور بفقدان الامن لدى المستوطنين من شانه أن يؤثر على الحياة اليومية ويزيد من القلق والخوف ، وهذه العمليات تساهم في زيادة السخط بين الإسرائيليين مع استمرار الحرب دون تحقيق انتصار حاسم، مما يؤدي بالتالي إلى تصاعد الانتقادات للقيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
وبيَّن الخبراء العسكريّون أن هذه العمليات ترهق الألوية والكتائب العسكرية العاملة في ميدان المعركة وتبقي جنودها في حالة استنفار وحذر مستمر، الأمر الذي يسبب التوتر والاكتئاب بين أولئك الجنود.
كما أن هذه العمليات تستنزف الموارد العسكرية والبشرية الإسرائيلية، فعمليات المقاومة المستمرة تُجبر الجيش على تخصيص قوات وموارد كبيرة على جبهة غزة، ما يؤدي إلى استنزاف قدراته في باقي الجبهات.
وفي الجانب النفسي ايضا فان استمرار وقوع الخسائر في الأرواح والمعدات في الجيش وفشله في القضاء على المقاومة أو تحقيق أهداف استراتيجية واضحة، يُضعف معنويات جنود الاحتلال بشكل كبير.
ان القدرة على استمرار المقاومة لفترة طويلة تُظهر قصور الخطط العسكرية الإسرائيلية وتُبرز نقاط ضعف الجيش، خصوصًا أمام العمليات النوعية مثل الكمائن وتدمير الآليات ، فاستمرار المقاومة رغم الظروف الصعبة والحصار يُظهر للعالم أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، وهو ما يؤثر على صورة كيان الاحتلال دوليًا ويزيد من الضغوط عليها.
واستمرار العمليات العسكرية الفلسطينية يحفز الشعوب العربية والإسلامية، ويلهم الشعوب ويؤكد إمكانية التصدي لإسرائيل عسكريًا.
هذه العمليات النوعية تحمل انعكاسات على المدى البعيد، أهمها زيادة الانقسامات داخل دولة الاحتلال، خصوصا بين الأحزاب السياسية، وداخل الجيش نفسه.
ولا شك بان ذلك ينعكس كءلك على الجانب الاقتصادي فالحرب الطويلة تُكلف الاقتصاد الإسرائيلي مليارات الدولارات، مما يضيف عبئًا على الحكومة والمجتمع.
ففي الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال إلى كسر المقاومة عبر تدمير غزة وتحويلها إلى أرض قاحلة، أثبتت المقاومة أن هذه الأرض، رغم جراحها، تحمل عوامل صمود تجعل منها حصناً طبيعياً، يعكس إصرارها وتصميمها على الاستمرار في القتال.