07 كانون الاول , 2024

مسيرات طوفان الأقصى تكشف عن استراتيجية اليمن الثابتة في دعم فلسطين

في قلب العاصمة اليمنية صنعاء وعلى امتداد جغرافيتها وفي مشهدٍ يختصر عمق الارتباط السياسي والشعبي بالقضية الفلسطينية، وتحت شعار ثابتون مع غزة بلا كلل او ملل جالت مسيرات "طوفان الأقصى" للمرة الستين على التوالي، حاملة في طياتها رسالة قوية لا تقف عند حدود التضامن، بل تتعداها إلى إعلان موقف استراتيجي ثابت في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

ضمن الاسبوع الشتين على التوالي وتحت شعار ثابتون مع غزة بلا كلل او ملل اجتمع مئات الآلاف من اليمنيين في ميادين صنعاء ومحافظات أخرى، رافعين الأعلام الفلسطينية واليمنية، متحدين التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، ومؤكدين أن دعم فلسطين ليس مجرد شعارات بل هو التزام عميق وجهادي مستمر حتى وقف العدوان على غزة.

ما يميز "طوفان الأقصى" في صنعاء هو أنه يمثل تصعيدًا غير تقليدي في الدعم العربي لفلسطين، يوازي في تأثيره العمق الاستراتيجي الذي تقدمه اليمن كداعم أساسي للمقاومة ضد إسرائيل. المعركة في غزة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الهوية السياسية لليمن في السنوات الأخيرة، وهو ما يعكسه الشكل التنظيمي لهذه المسيرات. ففي حين أن دعم فلسطين لطالما كان خطابًا سياسيًا عامًا في العالم العربي، فإن اليمن قد حول هذا الخطاب إلى حركة ميدانية مستمرة، يظهر فيها الشعب اليمني قدرة استثنائية على التماسك الداخلي والتعبئة الشعبية.

مسيرات يوم امس الجمعة ليست مجرد احتجاجات رمزية، بل هي مؤشرات واضحة على التوجه الاستراتيجي للقيادة اليمنية، التي تعتقد أن فلسطين هي محور أساسي في مواجهة "العدو المشترك" المتمثل في الولايات المتحدة وإسرائيل. هذه الرؤية لا تقتصر على الأبعاد العاطفية أو الدينية فحسب، بل هي جزء من استراتيجيات المقاومة المتكاملة التي تمثل اليمن جزءًا منها.

البيانات الختامية للمسيرات حملت رسائل سياسية استراتيجية بعيدة المدى. إذ شدد المشاركون على أن "اليهود الصهاينة هم عدونا الأول" كما حددهم القرآن الكريم، مما يعكس موقفًا ثابتًا وراسخًا لدى الشعب اليمني، الذي يتبنى رؤية دينية وأيديولوجية قوية تجاه إسرائيل. وفي هذا السياق، يرتبط الدعم اليمني لفلسطين أيضًا بترتيبات عسكرية وأمنية إقليمية تعزز من هذه الرؤية.

المشاركة اليمنية في عمليات المقاومة العسكرية لا تقتصر على الاحتجاجات الشعبية، بل تتسع لتشمل عمليات مشتركة مع المقاومة العراقية. العملية العسكرية الأخيرة التي استهدفت عمق الكيان الصهيوني، التي باركها البيان الختامي للمسيرات، تسلط الضوء على التنسيق المتزايد بين مختلف فصائل المقاومة في المنطقة. هذه العمليات لا تعكس مجرد دعم رمزي، بل تؤكد التزام اليمن بجبهة موحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

إحدى أهم الملاحظات التي تبرز من مسيرات "طوفان الأقصى" هي الانتقادات الحادة التي وجهها المشاركون لبعض الأنظمة العربية التي يعتبرونها متواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي حيث تم إدانة مواقف بعض الحكومات التي دعمت بشكل أو بآخر الكيان الصهيوني، خاصة في ظل الحصار المفروض على غزة. هذه الانتقادات تكشف عن الازدواجية التي تشوب المواقف العربية الرسمية تجاه القضية الفلسطينية، وتطرح تساؤلات حول جدوى الدعم العربي إذا كانت بعض الأنظمة تتعاون مع العدو.

بالمقابل، يظهر الدعم اليمني المتزايد في سياق هذه المعركة كأداة ضغط استراتيجية لإعادة صياغة المعادلة الإقليمية. اليمن، الذي يواجه تحديات كبيرة على الصعيد الإقليمي، يقدم نموذجًا في كيفية تحويل التضامن السياسي إلى قوة عملية، ويُظهر بوضوح تام أن هذا التضامن ليس مجرد شعارات سياسية، بل جزء من مشروع تحرري شامل.

 يمكن اعتبار "طوفان الأقصى" في صنعاء بمثابة مؤشر على أن شعوب العالم العربي، وخاصة في اليمن، لا تزال تمتلك القدرة على تنظيم وإدارة حركات مقاومة شعبية ضاغطة في مواجهة الاحتلال والظلم. الرسالة هنا واضحة: رغم أن الأنظمة العربية قد تشهد تراجعًا في دعمها المعلن لفلسطين، إلا أن الشعوب لا تزال تحتفظ بتفاعلها العاطفي والإنساني مع القضية الفلسطينية، مما يشير إلى قدرة هذه الحركات الشعبية على أن تكون محورية في تغيير واقع المعركة.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen