نزيف غزة بلا دماء... نداء استغاثة من مستشفيات تحاصرها الحرب والجوع
أعلنت وزارة الصحة بغزة، مساء الأربعاء، عن وجود نقص حاد وخطير في وحدات الدم بمستشفيات القطاع جراء تزايد أعداد المصابين وتراجع قدرة الفلسطينيين على التبرع بسبب سوء التغذية.
في غزة، لم تعد الأزمة عبارة عن أرقام تتصاعد، ولا صور دمار تتكرر، بل أصبحت الحياة نفسها معلّقة بخيط من الدماء المفقودة. فمع كل ساعة تمر، يصل المزيد من الجرحى إلى مستشفيات لا تملك ما تسعفهم به، ولا حتى وحدات دم تحفظ لهم حق النجاة.
وزارة الصحة في قطاع غزة أعلنت مساء الأربعاء عن نقص "حاد وخطير" في وحدات الدم، بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي من جهة، وتدهور الوضع الإنساني والصحي من جهة أخرى. هذا النقص لم يكن مفاجئًا، بل نتيجة طبيعية لحصار خانق طال كل شيء، حتى القدرة على التبرع بالدم.
فعلى مدار الأشهر الماضية، أصبح المواطن في غزة عاجزًا عن تقديم دمه للمصابين، لا لأنّه لا يريد، بل لأنه لم يعد يملك ما يكفي من الغذاء والطاقة ليقوم بذلك. سوء التغذية المنتشر، ونقص المياه والدواء، جعل حتى التبرع بالدم ترفًا في زمن المجاعة.
الوزارة وجّهت نداء استغاثة عاجلًا إلى المنظمات الدولية والإنسانية، بما فيها منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ودعت إلى تدخل فوري وفعلي لإدخال وحدات الدم والمستلزمات الطبية التي أصبحت منعدمة في كثير من المستشفيات.
ولا تقف الأزمة عند حدود الدم. فبحسب أحدث بيانات وزارة الصحة، أكثر من 37% من قائمة الأدوية الأساسية غير متوفرة، فيما نفدت 59% من المستهلكات الطبية، ما يجعل أي عملية إسعاف أو علاج شبه مستحيلة.
في المشافي المتبقية، لا يجد الأطباء سوى الألم يزداد، والمصابين يتراكمون، من دون القدرة على فعل شيء سوى الانتظار... انتظار المجهول. وفي الوقت الذي تعجز فيه الأطقم الطبية عن إكمال علاج المرضى، يستمر العدوان الإسرائيلي في توسيع عملياته، موقعًا المزيد من الجرحى تحت اسم “عربات جدعون”، وهي العملية العسكرية التي بدأت في مايو الماضي، وزادت من حجم الكارثة الإنسانية.
منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش القطاع واحدة من أشد مآسيه الإنسانية. أكثر من 182 ألف فلسطيني سقطوا بين شهيد وجريح، الغالبية الساحقة منهم من النساء والأطفال. أكثر من 11 ألف مفقود تحت الركام. مئات الآلاف من النازحين ينامون في العراء أو في خيام لا تقي من حر أو برد أو قذيفة.
ومع استمرار إغلاق المعابر منذ مارس الماضي، ومنع إدخال الغذاء والدواء والوقود، تسير غزة بخطى ثابتة نحو مجاعة جماعية حصدت أرواح الكثير من الأطفال، في ظل غياب تام لأي تحرك دولي جاد.
اليوم، تغيب وحدات الدم كما غاب كثيرون قبلها. وتتحول كل دقيقة تأخير إلى احتمال فقدان حياة جديدة. المستشفيات في غزة لم تعد تنتظر مساعدات، بل تتوسل البقاء، وتنادي من تبقى في العالم ممن يمكنه الإصغاء... أنقذوا من تبقّى.