تفخيخ الأحياء السكنية.. سياسة الأرض المحروقة تعود بصيغة إبادة
في تصعيد غير مسبوق، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال أيام قليلة عمليات نسف وتدمير طالت أكثر من مئة و خمسين مبنى سكنياً في غزة، في مشهد يعكس استراتيجية ممنهجة لتفريغ الشمال من سكانه وتدمير البنية المدنية والهوية الفلسطينية، وسط تحذيرات من تحول ما يجري إلى جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان.
تهدمت خلال الأيام الماضية عشرات المباني السكنية في قطاع غزة، وسط انفجارات هائلة سُمعت على نطاق واسع، نتيجة لعمليات نسف ممنهجة نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق متفرقة، أبرزها حي الشيخ رضوان ومحيط مدينة غزة شمالاً، ومنطقة القرارة شرق خانيونس جنوباً. وبحسب تقديرات محلية ودولية، هدم الاحتلال خلال 72 ساعة فقط أكثر من 150 مبنى يضم نحو 700 شقة سكنية.
المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، وصف هذه الممارسات بأنها جزء من خطة إبادة وتطهير جغرافي، مشيراً إلى أن تدمير الأبراج لا يهدف لتحقيق مكاسب عسكرية، بل يأتي في إطار مشروع استيطاني استعماري يهدف لإفراغ الشمال من الحياة وتحويله إلى أرض خالية قابلة لإعادة الهندسة السكانية.
التهجير القسري يتم وفق مخطط مدروس، كما يؤكد الحقوقي صلاح عبد العاطي، ويعتمد على أدوات مركبة تشمل القصف، المجاعة، وأوامر الإجلاء، بالتوازي مع تفعيل “مراكز مساعدات أميركية” لفرض النزوح نحو الجنوب. وقد أدى هذا إلى نزوح أكثر من 800 ألف مدني، غالبيتهم يعيشون في ظروف قاسية دون مأوى أو خدمات أساسية.
وفي سياق أكثر ترويعاً، استخدمت قوات الاحتلال عربات متفجرة يتم التحكم بها عن بُعد لتدمير الأحياء، مما أنتج انفجارات عنيفة مسحت معالم الحياة من على وجه الأرض. وتُعد هذه الاستراتيجية تطبيقاً صارخاً لعقيدة “الأرض المحروقة”، ولكن على نطاق أوسع وأكثر وحشية.
لا يقتصر الاستهداف على الحجر فقط، بل يمتد للهوية والذاكرة، حيث تطال التفجيرات المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية، في رسالة صريحة: “لا شيء هنا يمكن ترميمه أو العودة إليه”. ما يجري في شمال غزة ليس مجرد عدوان، بل فصل من فصول الإبادة الجماعية، يرمي إلى إعادة رسم الخارطة الديموغرافية والسياسية للقطاع، في واحدة من أبشع جرائم العصر.